كثيرة هي الإصلاحات التي أعلن عنها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله .هذه الإصلاحات التي لو تحققت فعليا على أرض الواقع لاسيما الإصلاحات السياسية منها ، ستكون ضربة قاصمة لأولئك السياسيين ( الشلاهبية) ، الذين يكذبون على الشعب برفعهم لشعارات كاذبة ، مع علمهم اليقين بأنهم مهما اجتهدوا في رفع هذه الشعارات، ومهما اجتهدوا في استمالة الجماهير إليهم ،أن قرار التنفيذ ليس بيدهم وإنما بيد الملك الذي يمثل السلطة التنفيذية العليا في البلاد.
إن هذه الإصلاحات السياسية ولا سيما فيما يتعلق بالإصلاحات التي ستحد من سلطات الملك لصالح الوزير الأول أو رئيس الوزراء مستقبلا ،..ستكون بمثابة مصفاة يتميز به الطيب من الخبيث والصادق من الكاذب والأمين من الخائن....فتنفيذها على أرض الواقع سيعطي للشعب دوره في اتخاذ القرار ،وفي اختيار النخبة التي ستمثله في تسيير شؤون البلاد تحت قيادة جلالة الملك حفظه الله ،وفي محاسبتهم إذا أخلوا بالمسؤولية .
إن هذه الإصلاحات لو تحققت بالفعل سنحس بصفتنا نحن أبناء هذا الوطن الحبيب- والذي نفتخر بانتمائنا إليه رغم كل شئ - أننا نقوم بدورنا في تقرير مصيرنا ،وإسماع صوتنا ،وأننا نشارك بالفعل في إبداء رأينا في كل القرارات المصيرية لهذا البلد ،....هذه المشاركة التي لن ولن تكون عن طريق الانتخابات الشكلية التي كانت من قبل...وإنما عن طريق انتخابات نزيهة وشفافة تفرز لنا مسؤولين (قد فمهم قد ذراعهم) ..لا موظفين (مرتزقة) في الدولة،أولوياتهم ملأ أرصدتهم البنكية وتهريبها إلى الخارج ...
مدونة الثقافة الاسلامية
مدونة تهتم بكل المواضيع العلمية والثقافية
الأحد، 10 أبريل 2011
الثلاثاء، 29 مارس 2011
من مكاسب الثورات العربية
من المكاسب التي حققتها الثورات العربية المباركة أنها جعلت المواطن العادي البسيط الذي لا يعرف القراءة ولا الكتابة أن يتابع الأخبار يوميا، وأصبح يعرف أسماء الزعماء العرب الديكتاتوريين ، ومعنى الدستور، ومعنى الديمقراطية ، ومعنى الإصلاحات السياسية والاقتصادية ،وغيرها من المصطلحات الجديدة التي جاءت بها هذه الثورات المباركة.
لقد كان هم هذا المواطن المسكين من قبل هو البحث عن لقمة العيش دون الاكتراث لما يجري حوله من أحداث ،هذا الهم الذي صنعته الأنظمة الديكتاتورية عمدا حتى تنفرد بالحكم ونست بل تناست بأن لكل بداية نهاية و أن سياسة (جوع كلبك يتبعك) انتهت صلاحيتها وأصبحت غير صالحة لهذا الزمان زمن الانترنت والحرية والديمقراطية
لقد كان هم هذا المواطن المسكين من قبل هو البحث عن لقمة العيش دون الاكتراث لما يجري حوله من أحداث ،هذا الهم الذي صنعته الأنظمة الديكتاتورية عمدا حتى تنفرد بالحكم ونست بل تناست بأن لكل بداية نهاية و أن سياسة (جوع كلبك يتبعك) انتهت صلاحيتها وأصبحت غير صالحة لهذا الزمان زمن الانترنت والحرية والديمقراطية
الأحد، 27 مارس 2011
الإعجاز العلمي في القرآن الكريم
المقدمة
لقد أيد الله تعالى رسله بمعجزات، وكانت معجزة نبينا (صلى الله عليه وسلم) هي القرآن الكريم الذي عجزت الإنس والجن عن الإتيان بمثله، قال تعالى: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (الإسراء:88) وقد شهد بإعجازه أعدائه، ثم تحداهم بالإتيان بعشر سور من مثله، قال تعالى: { أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } – هود 13، ثم تحداهم أن يأتوا بسورة من مثله، قال تعالى: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (يونس:38) وتمثلت المعجزة أيضاً في وصوله لنا عن طريق المصطفى (صلى الله عليه وسلم) وهو لم يمسك قلماً ولم يكتب أو يقرأ.
1- تعريف الإعجاز
الإعجاز: إثبات العجز. وهو ضد القدرة، والمراد بالإعجاز هنا: إظهار صدق النبي -صلى الله عليه وسلم- في دعوى الرسالة بإظهار عجز العرب عن معارضته في معجزته الخالدة -وهي القرآن- وعجز الأجيال بعدهم.
والمعجزة: أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي سالم عن المعارضة.
2- وجوه الإعجاز في القرآن الكريم
القرآن معجز بكل ما يتحمله هذا اللفظ من معنى:
فهو مُعْجز في ألفاظه وأسلوبه، والحرف الواحد منه في موضعه من الإعجاز الذي لا يغني عنه غيره في تماسك الكلمة، والكلمة في موضعها من الإعجاز في تماسك الجملة، والجملة في موضعها من الإعجاز في تماسك الآية.
وهو مُعْجز في بيانه ونظمه، يجد فيه القارئ صورة حية للحياة والكون والإنسان.
وهو مُعجز في معانيه التي كشفت الستار عن الحقيقة الإنسانية ورسالتها في الوجود.
وهو مُعجز بعلومه ومعارفه التي أثبت العلم الحديث كثيرًا من حقائقها المغيبة.
وهو مُعجز في تشريعه وصيانته لحقوق الإنسان وتكوين مجتمع مثالي تسعد الدنيا على يديه.
والقرآن -أولًا وآخرًا- هو الذي صير العرب رعاة الشاء والغنم ساسة شعوب وقادة أمم، وهذا وحده إعجاز.
3- الإعجاز العلمي في القرآن الكريم
الإعجاز العلمي في القرآن من المواضيع التي بدأ انتشارها مؤخراً بصورة كبيرة وبلغت البحوث العلمية أوجها و اكتشفت كثير من الحقائق التي تحدث عنها القرآن قبل أربعة عشر قرن من الزمان ولا يزال المزيد يكتشف خاصة في مجال الفلك وعلم الأجنة والتشريح والجيولوجيا وعلم الحيوان والنبات وآيات لا حد لها بينها الله تعالى في القرآن تكفي لتبيين أنه الحق من عند الله وأن الله هو الحق المبين ، قال تعالى : (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (فصلت:53) ، ولكن عمت قلوب العباد عن تدبر القرآن وفهم ما فيه بما ران عليها من الذنوب والمعاصي ، قال تعالى : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) (محمد:24) وهذا الموضوع كبير جداً لذا سنكتفي بذكر بعض الأمثلة .
المثال الأول : انشقاق السماء
دائماً يعطينا القرآن تشبيهات دقيقة ليقرب لنا مشهد يوم القيامة، يقول تعالى :) فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ) الرحمن: 37
هذه الآية تصف لنا انشقاق السماء يوم القيامة بأنها ستكون مثل الوردة ذات الألوان الزاهية، وإذا تأملنا هذه الصورة التي التقطها العلماء لانفجار أحد النجوم، وعندما رأوه أسموه (الوردة)، نفس التسمية القرآنية، وهذا يعني أن هذه الصورة هي صورة مصغرة ودقيقة عن المشهد الذي سنراه يوم القيامة.
المثال الثاني : انشقاق القمر
لقد اكتشف العلماء في وكالة ناسا حديثاً وجود شق على سطح القمر، وهو عبارة عن صدع يبلغ طوله آلاف الكيلومترات، وقد يكون في ذلك إشارة إلى قول الحق تبارك وتعالى): اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) القمر: 1
المثال الثالث : والقمر نوراً
وجد العلماء حديثاً أن القمر جسم بارد بعكس الشمس التي تعتبر جسماً ملتهباً، ولذلك فقد عبّر القرآن بكلمة دقيقة عن القمر ووصفه بأنه (نور) أما الشمس فقد وصفها الله بأنها (ضياء)، والنور هو ضوء بلا حرارة ينعكس عن سطح القمر، أما الضياء فهو ضوء بحرارة تبثه الشمس، يقول تعالى) : هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) يونس: 5
المثال الرابع : كانتا رتقاً
لقد وجد العلماء أن الكون كان كتلة واحدة ثم انفجرت، ولكنهم قلقون بشأن هذه النظرية، إذ أن الانفجار لا يمكن أن يولد إلا الفوضى، فكيف نشأ هذا الكون بأنظمته وقوانينه المحكمة؟ هذا ما يعجز عنه العلماء ولكن القرآن أعطانا الجواب حيث أكد على أن الكون كان نسيجاً رائعاً والله تعالى قد فتَق هذا النسيج ووسعه وباعد أجزاءه، وهذا ما يلاحظه العلماء اليوم، يقول تعالى : ( أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ) [الأنبياء: 30
و كلمة (رتقاً) توحي بوجود نظام ما في بداية خلق الكون، وهذا ما يعتقده العلماء وهو أن النظام موجود مع بداية الخلق
المثال الخامس : البحر المسجور
هذه صورة لجانب من أحد المحيطات ونرى كيف تتدفق الحمم المنصهرة فتشعل ماء البحر، هذه الصورة التقطت قرب القطب المتجمد الشمالي، ولم يكن لأحد علم بهذا النوع من أنواع البحار زمن نزول القرآن، ولكن الله تعالى حدثنا عن هذه الظاهرة المخيفة والجميلة بل وأقسم بها، يقول تعالى :
(وَالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ) الطور: 1-8.
والتسجير في اللغة هو الإحماء تقول العرب سجر التنور أي أحماه، وهذا التعبير دقيق ومناسب لما نراه حقيقة في الصور اليوم من أن البحر يتم إحماؤه إلى آلاف الدرجات المئوية.
أعتذر لم أتمكن من وضع الصور
مصدر البحث
- كتاب مباحث في علوم القرآن لمناع القطان
- مواقع إلكترونية
لقد أيد الله تعالى رسله بمعجزات، وكانت معجزة نبينا (صلى الله عليه وسلم) هي القرآن الكريم الذي عجزت الإنس والجن عن الإتيان بمثله، قال تعالى: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (الإسراء:88) وقد شهد بإعجازه أعدائه، ثم تحداهم بالإتيان بعشر سور من مثله، قال تعالى: { أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } – هود 13، ثم تحداهم أن يأتوا بسورة من مثله، قال تعالى: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (يونس:38) وتمثلت المعجزة أيضاً في وصوله لنا عن طريق المصطفى (صلى الله عليه وسلم) وهو لم يمسك قلماً ولم يكتب أو يقرأ.
1- تعريف الإعجاز
الإعجاز: إثبات العجز. وهو ضد القدرة، والمراد بالإعجاز هنا: إظهار صدق النبي -صلى الله عليه وسلم- في دعوى الرسالة بإظهار عجز العرب عن معارضته في معجزته الخالدة -وهي القرآن- وعجز الأجيال بعدهم.
والمعجزة: أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي سالم عن المعارضة.
2- وجوه الإعجاز في القرآن الكريم
القرآن معجز بكل ما يتحمله هذا اللفظ من معنى:
فهو مُعْجز في ألفاظه وأسلوبه، والحرف الواحد منه في موضعه من الإعجاز الذي لا يغني عنه غيره في تماسك الكلمة، والكلمة في موضعها من الإعجاز في تماسك الجملة، والجملة في موضعها من الإعجاز في تماسك الآية.
وهو مُعْجز في بيانه ونظمه، يجد فيه القارئ صورة حية للحياة والكون والإنسان.
وهو مُعجز في معانيه التي كشفت الستار عن الحقيقة الإنسانية ورسالتها في الوجود.
وهو مُعجز بعلومه ومعارفه التي أثبت العلم الحديث كثيرًا من حقائقها المغيبة.
وهو مُعجز في تشريعه وصيانته لحقوق الإنسان وتكوين مجتمع مثالي تسعد الدنيا على يديه.
والقرآن -أولًا وآخرًا- هو الذي صير العرب رعاة الشاء والغنم ساسة شعوب وقادة أمم، وهذا وحده إعجاز.
3- الإعجاز العلمي في القرآن الكريم
الإعجاز العلمي في القرآن من المواضيع التي بدأ انتشارها مؤخراً بصورة كبيرة وبلغت البحوث العلمية أوجها و اكتشفت كثير من الحقائق التي تحدث عنها القرآن قبل أربعة عشر قرن من الزمان ولا يزال المزيد يكتشف خاصة في مجال الفلك وعلم الأجنة والتشريح والجيولوجيا وعلم الحيوان والنبات وآيات لا حد لها بينها الله تعالى في القرآن تكفي لتبيين أنه الحق من عند الله وأن الله هو الحق المبين ، قال تعالى : (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (فصلت:53) ، ولكن عمت قلوب العباد عن تدبر القرآن وفهم ما فيه بما ران عليها من الذنوب والمعاصي ، قال تعالى : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) (محمد:24) وهذا الموضوع كبير جداً لذا سنكتفي بذكر بعض الأمثلة .
المثال الأول : انشقاق السماء
دائماً يعطينا القرآن تشبيهات دقيقة ليقرب لنا مشهد يوم القيامة، يقول تعالى :) فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ) الرحمن: 37
هذه الآية تصف لنا انشقاق السماء يوم القيامة بأنها ستكون مثل الوردة ذات الألوان الزاهية، وإذا تأملنا هذه الصورة التي التقطها العلماء لانفجار أحد النجوم، وعندما رأوه أسموه (الوردة)، نفس التسمية القرآنية، وهذا يعني أن هذه الصورة هي صورة مصغرة ودقيقة عن المشهد الذي سنراه يوم القيامة.
المثال الثاني : انشقاق القمر
لقد اكتشف العلماء في وكالة ناسا حديثاً وجود شق على سطح القمر، وهو عبارة عن صدع يبلغ طوله آلاف الكيلومترات، وقد يكون في ذلك إشارة إلى قول الحق تبارك وتعالى): اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) القمر: 1
المثال الثالث : والقمر نوراً
وجد العلماء حديثاً أن القمر جسم بارد بعكس الشمس التي تعتبر جسماً ملتهباً، ولذلك فقد عبّر القرآن بكلمة دقيقة عن القمر ووصفه بأنه (نور) أما الشمس فقد وصفها الله بأنها (ضياء)، والنور هو ضوء بلا حرارة ينعكس عن سطح القمر، أما الضياء فهو ضوء بحرارة تبثه الشمس، يقول تعالى) : هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) يونس: 5
المثال الرابع : كانتا رتقاً
لقد وجد العلماء أن الكون كان كتلة واحدة ثم انفجرت، ولكنهم قلقون بشأن هذه النظرية، إذ أن الانفجار لا يمكن أن يولد إلا الفوضى، فكيف نشأ هذا الكون بأنظمته وقوانينه المحكمة؟ هذا ما يعجز عنه العلماء ولكن القرآن أعطانا الجواب حيث أكد على أن الكون كان نسيجاً رائعاً والله تعالى قد فتَق هذا النسيج ووسعه وباعد أجزاءه، وهذا ما يلاحظه العلماء اليوم، يقول تعالى : ( أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ) [الأنبياء: 30
و كلمة (رتقاً) توحي بوجود نظام ما في بداية خلق الكون، وهذا ما يعتقده العلماء وهو أن النظام موجود مع بداية الخلق
المثال الخامس : البحر المسجور
هذه صورة لجانب من أحد المحيطات ونرى كيف تتدفق الحمم المنصهرة فتشعل ماء البحر، هذه الصورة التقطت قرب القطب المتجمد الشمالي، ولم يكن لأحد علم بهذا النوع من أنواع البحار زمن نزول القرآن، ولكن الله تعالى حدثنا عن هذه الظاهرة المخيفة والجميلة بل وأقسم بها، يقول تعالى :
(وَالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ) الطور: 1-8.
والتسجير في اللغة هو الإحماء تقول العرب سجر التنور أي أحماه، وهذا التعبير دقيق ومناسب لما نراه حقيقة في الصور اليوم من أن البحر يتم إحماؤه إلى آلاف الدرجات المئوية.
أعتذر لم أتمكن من وضع الصور
مصدر البحث
- كتاب مباحث في علوم القرآن لمناع القطان
- مواقع إلكترونية
السبت، 26 مارس 2011
أسس التسامح في الاسلام
أسس التسامح في الإسلام.
يعتبر التسامح دعامة من دعائم شريعة الإسلام، ومبدأ أصيلا من مبادئ خلق المسلمين، وهذه حقيقة ثابتة نصت عليها الآيات القرآنية التي تدعو إلى التسامح وتحظ عليه والتي يمكن تحديدها كما يلي:
- إقرار مبدأ التعايش والتساكن والمساواة: قال تعالى: يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم(1). يقول السيد قطب رحمه الله عند تفسيره لهذه الآية: يا أيها الناس: يا أيها المختلفون أجناسا وألوانا، المتفرقون شعوبا وقبائل، إنكم من أصل واحد، فلا تختلفوا ولا تتفرقوا ولا تتخاصموا ولا تذهبوا بددا(2). وقال ابن كثير: فجميع الناس في الشرق بالنسبة الطينية إلى آدم وحواء عليهما السلام سواء، وإنما يتفاضلون بالأمور الدينيـة وهي طاعة الله تعالى ومتابعة رسوله (3).
وقال الطاهر بن عاشور: ونودوا بعنوان «الناس» دون المؤمنين رعيا للمناسبة بين هذا العنوان وبين ما صدر به الغرض من التذكير بأن أصلهم واحد، أي أنهم في الخلقة سواء ليتوصل بذلك إلى أن التفاضل والتفاخر إنما يكون بالفضائل، وإلى أن التفاضل في الإسلام بزيادة التقوى ...»(4)
وسبب نزول هذه الآية كما روى أبي داود في كتابه المراسيل عن الزهري قال: أمر رسول الله بني بياضة (من الأنصار) أن يزوجوا أبا هند (مولى بني بياضة قيل اسمه يسار) امرأة منهم فقالوا: نزوج بناتا موالينا، فأنزل الله تعالى: إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا ... وروى غيره ذلك في سبب نزولها(1).
لقد دعا الإسلام منذ البداية إلى التجمع والتعايش والتساكن وتبادل المنافع والمصالح بين الشعوب، بعيدا عن أية عصبية جنسية أو عنصرية إقليمية أو نزعة ثقافية، إذ لا فضل لعربي على عجمي، ولا أبيض على أسود إلا بالتقوى، فالله سبحانه وتعالى لم يخلق أناسا من خشب، وآخرين من ذهب، بل كلهم من أصل واحد فلا مجال إذن للفخر والتفاضل، قال تعالى: والله خلقكم من تراب، ثم من نطفة، ثم جعلكم أزواجا، وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه ...(2)، وقال أيضا: ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين(3)، وقال : «يا معشر قريش، لا أغني عنكم من الله شيئا، يا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئا، يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئا، ويا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا»(4).
إن مبدأ المساواة المطلقة بين بني الإنسان كانت رسالة الإسلام فكان طبيعيا أن يحرص على تطبيقها المجتمع الإسلامي، وها هو الرسول يزوج ابنة عمته زينب بنت جحش سليلة قريش الهاشمية من مولاه زيد، والزواج مسألة حساسة ترفع فيها قضية المساواة إلى أفق دونه كل أفق، وما كان أحد غير هذا النبي، ولا كانت قوة غير قوة هذا الدين بكافية أن تحقق هذه المعجزة التي لا تتحقق إلى اليوم في غير بلاد الإسلام. ونحن نشهد في الولايات المتحدة الأمريكية التي بطل فيها الرق بحكم القانون، إن الزنجي يحرم عليه الزواج بالبيضاء أية بيضاء فحسب، بل يحرم دخول المدارس والجامعات والمطاعم، والجلوس إلى جوار البيض في المركبات العامة، والنزول معهم في المتاوي والفنادق حتى الآن(5).أين هي الديمقراطية المزعومة التي يلوحون بها في شعاراتهم؟ إنها كالفرق بين السماء والأرض مع تعاليم الإسلام، التي تؤمن بمبدأ العدالة والمساواة بين بني الإنسان بدون فرق بين الأبيض والأسود إلا بالتقوى.
- البر بالمخالفين في الدين: حيث أكد الإسلام على ضرورة البر والعدل والإحسان إلى المخالفين في الدين، الذين سالموا المسلمين وكفوا عن قتالهم كالنساء والضعفاء والشيوخ، قال تعالى: لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين، ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين(1).
يقول سيد قطب: إن الإسلام دين سلام وعقيدة وحب، ونظام يستهدف أن يظل العالم كله بظله، وأن يقيم فيه منهجه، وأن يجمع الناس تحت لواء الله إخوة متعارفين متحابين، وليس هناك من عائق يحول دون اتجاهه هذا إلا عدوان أعدائه عليه وعلى أهله، فأما إذا سالموهم فليس الإسلام براغب في الخصومة ولا متطوع بها كذلك! وهو حتى في حالة الخصومة يستبقي أسباب الود في النفوس بنظافة السلوك وعدالة المعاملة، انتظارا لليوم الذي يقتنع فيه خصومه بأن الخير في أن ينضووا تحت لوائه الرفيع، ولا ييأس الإسلام من هذا اليوم الذي تستقيم فيه النفوس، فتتجه هذه الاتجاه المستقيم(2)؛ وقال ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: أي لا ينهاكم عن الإحسان إلى الكفرة الذين لا يقاتلونكم في الدين ولم يظاهروا أي: يعاونوا على إخراجكم كالنساء والضعفة منهم (أن تبروهم) أي تحسنوا إليهم (وتقسطوا إليهم) أي تعدلوا (إن الله يحب المقسطين)(3).
ويؤخذ من هذا الآية جواز معاملة أهل الذمة بالإحسان وجواز الاحتفاء بأعيانهم، وقد نزلت هذه الآية في أسماء بنت أبي بكر رضي عنهما حينما جاءت إليها أمها تصلها وهي مشركة، فسألت النبي عن ذلك، فقال لها «نعم صلي أمك».(4)
وأمر الإسلام بحسن معاملة أهل الكتاب ودعا إلى مجادلتهم بالتي هي أحسن بعيدة عن الشدة والغلظة في الكلام حتى لا تحـدث بينهـم الفرقـة والخصومـة قال تعالـى: «ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن»(1).
وقد أعطى النبي مثلا أعلى في معاملة أهل الكتاب، فقد روي أنه كان يحضر ولائهم، ويشيع جنائزهم، ويعود مرضاهم، ويزورهم ويكرمهم ... وروي أنه كان يقترض من أهل الكتاب نقودا ويرهنهم أمتعته، حتى أنه توفي ودرعه مرهونة عند بعض يهود المدينة في دين له، ولم يخلص درعه إلا خلفاؤه بعد وفاته، كان يفعل ذلك لا عجزا من أصحابه عن إقراض، فكان منهم الأثرياء، وهم مستعدون لأن يضحوا بأنفسهم وأموالهم في مرضاة نبيهم، بل كان النبي يفعل ذلك تعليما وإرشادا لأمته(2).
وكان من الطبيعي أن يؤثر هذا السلوك وحسن المعاملة في حياة الصحابة وخصوصا الساسة منهم والأمراء، ولنأخذ عمر بن الخطاب نموذجا للسلف الصالح، ففي عهده توسعت الدولة الإسلامية وضمت آلافا من غير المسلمين، وقد حرص أن يضمن لهم الأمان «... هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إليا من الأمان، أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم، سقيمها وبريئها وسائر ملتها، أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم، ولا ينقص منها ولا من حيزها ولا من صليبهم، ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم، ولا يسكن بإليا معهم أحد من اليهود.(3)
ولم يقتصر هذا السلوك على الخلفاء فقط بل طبقه الأمراء أيضا فها هو خالد بن الوليد يقول: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أعطى خالد بن الوليد أهل دمشق إذ دخله، أعطاهم أمانا على أنفسهم وأموالهم، وكنائسهم، وسور مدينتهم، لا يهدم، ولا يسكن شيء من دورهم، لهم بذلك عهد الله وذمة رسول الله والخلفاء والمؤمنين، لا يعرض لهم إلا بخير إذا أعطوا الجزية.(1)
من خلال هذه المعاملة الكريمة التي نهجها النبي وغيره من الصحابة، نصل إلى نتيجة مفادها أن كثيرا من أهل الكتاب دخل في الإسلام إعجابا بمبادئه العادلة وسمو خلق المسلمين، وإليكم الشهادة الآتية التي تؤكد ما سبق، يقول عيشو بابه أحد البطارقة المسيحيين: إن العرب الذين مكنهم الرب من السيطرة على العالم يعاملوننا كما تعرفون، إنهم ليسوا بأعداء للنصرانية، بل يمتدحون ملتنا ويوقرون قسيسنا ويمدون يد المعونة إلى كنائسنا وأديرتنا.(2)
- حرية العقيدة: ونعني بها أن يكون لكل فرد في الأمة الحق في أن يعتقد ما يراه حقا، وأن تكون له الحرية في تأدية شعائر دينه كما يشاء، وقد احترم الإسلام هذا المبدأ احتراما كاملا، فمنع الإكراه في الدين، إذ نفى القرآن الكريم بالنص أن يكون الإكراه طريقا للدين، ومنع المؤمنين أن يكرهوا أحدا على الدين، وخوطب النبي بهذا النص في فوله تعالى: لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي(3) وقوله تعالى: أ فأنت تكره الناس حتى يكون مؤمنين(4).
قال ابن كثير في تفسير للآية الأولى أي: لا تكرهوا أحدا على الدخول في دين الإسلام، فإنه بين واضح جلي دلائله وبراهينه، لا يحتاج إلى أن يكره أحد على الدخول فيه(5)، وقال الطاهر بن عاشور: أي لا تكرهوا أحدا على اتباع الإسلام قسرا(6)، وقال سيد قطب: وفي هذا المبدأ يتجلى تكريم الله للإنسان، واحترام إرادته وفكره ومشاعره وترك الأمر لنفسه فيما يختص بالهدى والظلال في الاعتقاد.(1)
وسبب نزول هذه الآية كما روى المفسرون عن ابن عباس أنه قال: كانت المرأة تكون مقلاة قليلة النسل فتجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن تهوده (كان يفعل ذلك نساء الأنصار في الجاهلية) فلما أجليت بنو النضير كان فيهم من أبناء الأنصار، فقال آباؤكم: لا ندع أبناءنـا (يعنون: لا ندعهم يعتنقون اليهوديـة) فأنـزل الله تعالى هذه الآية: لا إكراه في الدين.(2)
فرغم الظروف التي دخل بها أبناء الأنصار لدين اليهود وهم صغار، رفض القرآن محاولة الأباء إكراههم على الإسلام، لأن الهداية والظلال بيد الله سبحانه وتعالى: فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام، ومن يرد أن يظلله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء(3).
وبهذا المبدأ العظيم الذي أقره القرآن الكريم، استطاع اليهود والنصارى على إثره أن يعيشوا تحت راية الإسلام عيشة هنيئة، رغيدة، سمحت لهم بالتمتع بشعائرهم كما يشاؤون، وما معاملة النبي لهم إلا دليل على ذلك، فقد ذكر ابن إسحاق في السيرة أن وفد نجران، وهم من النصارى لما قدموا على رسول بالمدينة، دخلوا عليه مسجده بعد العصر فكانت صلاتهم، فقاموا يصلون في مسجده، فأراد الناس منعهم، فقال رسول الله دعوهم، فاستقبلوا المشرق فصلوا صلاتهم.
وجاء في المعاهدة التي عقدها عليه السلام مع يهود المدينة بعد هجرته «... لليهود دينهم وللمسلمين دينهم...»، وعلى هذا النهج سار الصحابة الكرام والتابعون من بعدهم في احترام عقيدة الآخرين الذين يعيشون تحت حكمهم والبر بهم.
-الزواج من أهل الكتاب وأكل طعامهم: لقد أباح الله سبحانه وتعالى للمؤمنين أن يتزوجوا من الكتابيات العفيفات المحصنات، وأن يأكلوا من طعامهم، ما عدا الخمر والخنزير وما أهل لغير الله به قال تعالى: ... وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا أتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان...(1)، والذين أوتوا الكتاب هم أتباع التوراة والإنجيل سواء كانوا ممن دعاهم موسى وعيسى عليهما السلام إلى أتباع الدين، أم كانوا ممن اتبعوا الدينين اختيارا.(2)
قال الطاهر بن عاشور: وحكمة الرخصة في أهل الكتاب: لأنهم على دين إلهي ويحرم الخبائث، ويتقي النجاسة، ولهم في شؤونهم أحكام مضبوطة متبعة لا تظن بهم مخالفتنا، وهي مستندة للوحي الإلهي بخلاف المشركين وعبدة الأوثان(3)، وقال ابن كثير: هذا أمر مجمع العلماء أن ذبائحهم حلال للمسلمين لأنهم يعتقدون تحريم الذبح لغير الله ولا يذكرون على ذبائحهم إلا اسم الله وإن اعتقدوا فيه تعالى ما هو منزه عن قولهم تعالى وتقدس.(4)
وقال سيد قطب: وهنا نطلع على صفحة من صفحات السماحة الإسلامية في التعاون مع غير المسلمين، ممن يعيشون في المجتمع الإسلامي «في دار الإسلام» أو تربطهم به روابط الذمة والعهد من أهل الكتاب.
إن الإسلام لا يكتفي بأن يترك لهم حريتهم الدينية، ثم يعتزلهم، فيصبحوا في المجتمع الإسلامي مجفوين معزولين أو منبوذين إنما يشملهم بجو من المشاركة الاجتماعية والمودة والمجاملة والخلطة، فيجعل طعامهم حلا للمسلمين وطعام المسلمين حلا لهم كذلك، ليتم التزاور والتضايق والمؤاكلة والمشاربة، وليظل المجتمع كله في ظل المودة والسماحة ... وكذلك يجعل العفيفات من المسلمات وهي سماحة، لم يشعر بها إلا أتباع الإسلام.(1)
لقد أكد الإسلام من جديد على أنه المنهج الوحيد الذي يسمح بقيام مجتمع عالمي، فكل القوانين التي سنها تنادي بالمحبة والأخوة بين جميع البشر بصفتهم إخوانا في الإنسانية، وأقام العلاقات بين أفراد المجتمع على أسس تجاوز بها كل الاختلافات والفوارق الدينية والعرقية، وجعلها علاقات بعيدة عن كل تعصب مهما كان أصله ولونه.
- الإيمان بالأديان السماوية السابقة: لقد أرسل الله محمدا خاتما للنبيئين، ومصدقا للرسل من قبله، وأنزل عليه القرآن الكريم مؤيدا للكتب السماوية المنزلة، ولا يصح الإسلام بغير إيمان بالأنبياء السابقين، وبما أنزل عليهم من كتب، والقرآن الكريم مليء بالآيات التي تؤكد ذلك، قال تعالى: قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط، وما أوتي موسى وعيسى وما أوحي النبيون من ربهم، لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون(2)، وقال أيضـا: آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنـون، كل آمن بالله وملائكتـه وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله.(3)
قال سيد قطب في تفسيره لهذه الآية: والإيمان بكتب الله ورسله بدون تفرقة بين أحد من رسله هو المقتضى الطبيعي الذي ينبثق من الإيمان بالله في الصورة التي يرسمها الإسلام، فالإيمان بالله يقتضي الاعتقاد بصحة كل ما جاء من عند الله، وصدق كل الرسل الذين يبعثهم الله، ووحدة الأصل التي تقوم عليه رسالتهم، وتتضمنه الكتب التي نزلت عليهم ... ومن ثم لا تقوم التفرقة بين الرسل في ضمير المسلم. فكلهم جاء من عند الله بالإسلام في صورة من صوره المناسبة لحال القوم الذين أرسل إليهم، حتى انتهى الأمر إلى خاتم النبيئين محمد فجاء بالصورة الأخيرة للدين الواحد، لدعوة البشرية كلها إلى يوم القيامة.(1)
وقال ابن كثير:« فالمؤمنون يؤمنون بأن الله واحد أحد، فرد صمد، لا إله غيره ولا رب سواه، ويصدقون بجميع الأنبياء والرسل والكتب المنزلة من السماء على عباد الله المرسلين والأنبياء لا يفرقون بين أحد منهم فيؤمنون ببعض ويكفرون ببعض بل الجميع عندهم صادقون برون راشدون هادون إلى سبيل الخير، وإن كان بعضهم نسيج شريعة بعض بإذن الله حتى نسخ الجميع بشرع محمد خاتم الأنبياء والمرسلين الذي تقوم الساعة على شريعته ...».(2)
وتحت ضوء هذه الآيات الكريمات أقر المسلمون بنبوة موسى وعيسى عليهما السلام، وآمنوا بهما ونزهوا نسب عيسى واعتبروا إنكار رسالتهما بمثابة كفر بالله سبحانه وتعالى، إذ ليس في الإسلام تعصب ضد اليهودية أو المسيحية، وليس فيه اتهام لنبي ولا تهجم على رسول، على عكس ما نجده بين اليهود والنصارى من عداء وتباغض. ذلك أن اليهود يؤمنون بنبوة موسى عليه السلام فقط كما يعتقدون أنهم شعب الله المختار. في حين يكذبون بنبوة عيسى عليه السلام ومحمد ، وبالتالي فلا قيمة في نظرهم للمسيحية ولا للإسلام. والمسيحيون يقرون بنبوة موسى وبالتوراة، لكنهم يحقدون على اليهود لأنهم يحرفون نسب عيسى ويجحدون رسالته، كما أن الإسلام في زعمهم افتراء عربي ادعى النبوة، ومن هنا يتبين لنا مدى التسامح الكبير الذي يمتاز به المسلمون عن غيرهم من أصحاب الديانات السماوية الأخرى.
إن الإيمان بالأديان السابقة مبدأ من مبادئ الإسلام الراسخة، وهو الأساس الثابت الذي تقوم عليه علاقة المسلم مع أهل الأديان السماوية، فمن هذا المبدأ تنبع رؤية الإسلام إلى التعامل مع غير المسلمين. فلا تكتمل عقيدة المسلم إلا إذا آمن بالرسل جميعا، لا يفرق بين أحد منهم، وهذا هو البعد الإنساني الذي يعطي للتسامح في الإسلام مساحات واسعة يقول تعالى: وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس، وأنزل الفرقان(1) ويقول عز من قائل: إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة.(2)
)- سورة الحجرات، الآية:13.
(2)- في ظلال القرآن، سيد قطب، ج 26، ص: 3347.
(3)- تفسير ابن كثيرا، ج 7، ص: 258.
(4)- التحرير والتنوير، ج 26، ص: 258.
)- التحرير والتنوير، ج 26، ص: 258.
(2)- سورة فاطر، الآية: 11.
(3)- سورة المؤمنون، الآيتان: 12-13
(4)- أخرجه البخاري، كتاب الوصايا، باب هل يدخل النساء والولد في المقابر، رقم الحديث: 2548.
)- العدالة الاجتماعية في الإسلام، سيد قطب، ص 138.
(1)- سورة الممتحنة، الآية: 8.
(2)- في ظلال القرآن، ج 27، ص: 354
(3)- تفسير ابن كثير، ج 8، ص: 58.
)- التحرير والتنوير، ج 28، ص: 153.
(1)- التفسير المنير، وهبة الزحيلي، ج 28، ص: 135-136.
(2)- روح الدين الإسلامي، عبد الفتاح طبارة، ص: 285.
(3)- تاريخ الطبري، ج 3، ص: 609.
1)- فتوح البلدان، البلاذري، ص: 166.
(2)- روح الدين الإسلامي، عبد الفتاح طبارة، ص: 20.
(3)- سورة البقرة، الآية: 255.
(4)- سورة يونس، الآية: 99
(5)- تفسير ابن كثير، ج 1، ص: 362.
)- التحرير والتنوير، ج 3، ص: 26.
(1)- في ظلال القرآن، ج 3، ص: 291.
(2)- تفسير ابن كثير، ج 1، ص: 362.
(3)- سورة الأنعام، الآية: 126.
1)- سورة المائدة، الآية: 5.
(2)- التحرير والتنوير، ج 6، ص: 120.
(3)- نفسه، ص: 121.
(4)- تفسير ابن كثير، ج3، ص: 26
1)- في ظلال القرآن، ج 5، ص: 848.
(2)- سورة البقرة، الآية، 135.
(3)- سورة البقرة، الآية، 284.
1)- في ظلال القرآن، ج 2، ص: 342.
(2)- تفسير ابن كثير، ج 1، ص: 397.
)- سورة آل عمران، الآيتان: 2-3.
(2)- سورة الصف، الآية: 6.
يعتبر التسامح دعامة من دعائم شريعة الإسلام، ومبدأ أصيلا من مبادئ خلق المسلمين، وهذه حقيقة ثابتة نصت عليها الآيات القرآنية التي تدعو إلى التسامح وتحظ عليه والتي يمكن تحديدها كما يلي:
- إقرار مبدأ التعايش والتساكن والمساواة: قال تعالى: يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم(1). يقول السيد قطب رحمه الله عند تفسيره لهذه الآية: يا أيها الناس: يا أيها المختلفون أجناسا وألوانا، المتفرقون شعوبا وقبائل، إنكم من أصل واحد، فلا تختلفوا ولا تتفرقوا ولا تتخاصموا ولا تذهبوا بددا(2). وقال ابن كثير: فجميع الناس في الشرق بالنسبة الطينية إلى آدم وحواء عليهما السلام سواء، وإنما يتفاضلون بالأمور الدينيـة وهي طاعة الله تعالى ومتابعة رسوله (3).
وقال الطاهر بن عاشور: ونودوا بعنوان «الناس» دون المؤمنين رعيا للمناسبة بين هذا العنوان وبين ما صدر به الغرض من التذكير بأن أصلهم واحد، أي أنهم في الخلقة سواء ليتوصل بذلك إلى أن التفاضل والتفاخر إنما يكون بالفضائل، وإلى أن التفاضل في الإسلام بزيادة التقوى ...»(4)
وسبب نزول هذه الآية كما روى أبي داود في كتابه المراسيل عن الزهري قال: أمر رسول الله بني بياضة (من الأنصار) أن يزوجوا أبا هند (مولى بني بياضة قيل اسمه يسار) امرأة منهم فقالوا: نزوج بناتا موالينا، فأنزل الله تعالى: إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا ... وروى غيره ذلك في سبب نزولها(1).
لقد دعا الإسلام منذ البداية إلى التجمع والتعايش والتساكن وتبادل المنافع والمصالح بين الشعوب، بعيدا عن أية عصبية جنسية أو عنصرية إقليمية أو نزعة ثقافية، إذ لا فضل لعربي على عجمي، ولا أبيض على أسود إلا بالتقوى، فالله سبحانه وتعالى لم يخلق أناسا من خشب، وآخرين من ذهب، بل كلهم من أصل واحد فلا مجال إذن للفخر والتفاضل، قال تعالى: والله خلقكم من تراب، ثم من نطفة، ثم جعلكم أزواجا، وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه ...(2)، وقال أيضا: ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين(3)، وقال : «يا معشر قريش، لا أغني عنكم من الله شيئا، يا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئا، يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئا، ويا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا»(4).
إن مبدأ المساواة المطلقة بين بني الإنسان كانت رسالة الإسلام فكان طبيعيا أن يحرص على تطبيقها المجتمع الإسلامي، وها هو الرسول يزوج ابنة عمته زينب بنت جحش سليلة قريش الهاشمية من مولاه زيد، والزواج مسألة حساسة ترفع فيها قضية المساواة إلى أفق دونه كل أفق، وما كان أحد غير هذا النبي، ولا كانت قوة غير قوة هذا الدين بكافية أن تحقق هذه المعجزة التي لا تتحقق إلى اليوم في غير بلاد الإسلام. ونحن نشهد في الولايات المتحدة الأمريكية التي بطل فيها الرق بحكم القانون، إن الزنجي يحرم عليه الزواج بالبيضاء أية بيضاء فحسب، بل يحرم دخول المدارس والجامعات والمطاعم، والجلوس إلى جوار البيض في المركبات العامة، والنزول معهم في المتاوي والفنادق حتى الآن(5).أين هي الديمقراطية المزعومة التي يلوحون بها في شعاراتهم؟ إنها كالفرق بين السماء والأرض مع تعاليم الإسلام، التي تؤمن بمبدأ العدالة والمساواة بين بني الإنسان بدون فرق بين الأبيض والأسود إلا بالتقوى.
- البر بالمخالفين في الدين: حيث أكد الإسلام على ضرورة البر والعدل والإحسان إلى المخالفين في الدين، الذين سالموا المسلمين وكفوا عن قتالهم كالنساء والضعفاء والشيوخ، قال تعالى: لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين، ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين(1).
يقول سيد قطب: إن الإسلام دين سلام وعقيدة وحب، ونظام يستهدف أن يظل العالم كله بظله، وأن يقيم فيه منهجه، وأن يجمع الناس تحت لواء الله إخوة متعارفين متحابين، وليس هناك من عائق يحول دون اتجاهه هذا إلا عدوان أعدائه عليه وعلى أهله، فأما إذا سالموهم فليس الإسلام براغب في الخصومة ولا متطوع بها كذلك! وهو حتى في حالة الخصومة يستبقي أسباب الود في النفوس بنظافة السلوك وعدالة المعاملة، انتظارا لليوم الذي يقتنع فيه خصومه بأن الخير في أن ينضووا تحت لوائه الرفيع، ولا ييأس الإسلام من هذا اليوم الذي تستقيم فيه النفوس، فتتجه هذه الاتجاه المستقيم(2)؛ وقال ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: أي لا ينهاكم عن الإحسان إلى الكفرة الذين لا يقاتلونكم في الدين ولم يظاهروا أي: يعاونوا على إخراجكم كالنساء والضعفة منهم (أن تبروهم) أي تحسنوا إليهم (وتقسطوا إليهم) أي تعدلوا (إن الله يحب المقسطين)(3).
ويؤخذ من هذا الآية جواز معاملة أهل الذمة بالإحسان وجواز الاحتفاء بأعيانهم، وقد نزلت هذه الآية في أسماء بنت أبي بكر رضي عنهما حينما جاءت إليها أمها تصلها وهي مشركة، فسألت النبي عن ذلك، فقال لها «نعم صلي أمك».(4)
وأمر الإسلام بحسن معاملة أهل الكتاب ودعا إلى مجادلتهم بالتي هي أحسن بعيدة عن الشدة والغلظة في الكلام حتى لا تحـدث بينهـم الفرقـة والخصومـة قال تعالـى: «ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن»(1).
وقد أعطى النبي مثلا أعلى في معاملة أهل الكتاب، فقد روي أنه كان يحضر ولائهم، ويشيع جنائزهم، ويعود مرضاهم، ويزورهم ويكرمهم ... وروي أنه كان يقترض من أهل الكتاب نقودا ويرهنهم أمتعته، حتى أنه توفي ودرعه مرهونة عند بعض يهود المدينة في دين له، ولم يخلص درعه إلا خلفاؤه بعد وفاته، كان يفعل ذلك لا عجزا من أصحابه عن إقراض، فكان منهم الأثرياء، وهم مستعدون لأن يضحوا بأنفسهم وأموالهم في مرضاة نبيهم، بل كان النبي يفعل ذلك تعليما وإرشادا لأمته(2).
وكان من الطبيعي أن يؤثر هذا السلوك وحسن المعاملة في حياة الصحابة وخصوصا الساسة منهم والأمراء، ولنأخذ عمر بن الخطاب نموذجا للسلف الصالح، ففي عهده توسعت الدولة الإسلامية وضمت آلافا من غير المسلمين، وقد حرص أن يضمن لهم الأمان «... هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إليا من الأمان، أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم، سقيمها وبريئها وسائر ملتها، أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم، ولا ينقص منها ولا من حيزها ولا من صليبهم، ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم، ولا يسكن بإليا معهم أحد من اليهود.(3)
ولم يقتصر هذا السلوك على الخلفاء فقط بل طبقه الأمراء أيضا فها هو خالد بن الوليد يقول: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أعطى خالد بن الوليد أهل دمشق إذ دخله، أعطاهم أمانا على أنفسهم وأموالهم، وكنائسهم، وسور مدينتهم، لا يهدم، ولا يسكن شيء من دورهم، لهم بذلك عهد الله وذمة رسول الله والخلفاء والمؤمنين، لا يعرض لهم إلا بخير إذا أعطوا الجزية.(1)
من خلال هذه المعاملة الكريمة التي نهجها النبي وغيره من الصحابة، نصل إلى نتيجة مفادها أن كثيرا من أهل الكتاب دخل في الإسلام إعجابا بمبادئه العادلة وسمو خلق المسلمين، وإليكم الشهادة الآتية التي تؤكد ما سبق، يقول عيشو بابه أحد البطارقة المسيحيين: إن العرب الذين مكنهم الرب من السيطرة على العالم يعاملوننا كما تعرفون، إنهم ليسوا بأعداء للنصرانية، بل يمتدحون ملتنا ويوقرون قسيسنا ويمدون يد المعونة إلى كنائسنا وأديرتنا.(2)
- حرية العقيدة: ونعني بها أن يكون لكل فرد في الأمة الحق في أن يعتقد ما يراه حقا، وأن تكون له الحرية في تأدية شعائر دينه كما يشاء، وقد احترم الإسلام هذا المبدأ احتراما كاملا، فمنع الإكراه في الدين، إذ نفى القرآن الكريم بالنص أن يكون الإكراه طريقا للدين، ومنع المؤمنين أن يكرهوا أحدا على الدين، وخوطب النبي بهذا النص في فوله تعالى: لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي(3) وقوله تعالى: أ فأنت تكره الناس حتى يكون مؤمنين(4).
قال ابن كثير في تفسير للآية الأولى أي: لا تكرهوا أحدا على الدخول في دين الإسلام، فإنه بين واضح جلي دلائله وبراهينه، لا يحتاج إلى أن يكره أحد على الدخول فيه(5)، وقال الطاهر بن عاشور: أي لا تكرهوا أحدا على اتباع الإسلام قسرا(6)، وقال سيد قطب: وفي هذا المبدأ يتجلى تكريم الله للإنسان، واحترام إرادته وفكره ومشاعره وترك الأمر لنفسه فيما يختص بالهدى والظلال في الاعتقاد.(1)
وسبب نزول هذه الآية كما روى المفسرون عن ابن عباس أنه قال: كانت المرأة تكون مقلاة قليلة النسل فتجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن تهوده (كان يفعل ذلك نساء الأنصار في الجاهلية) فلما أجليت بنو النضير كان فيهم من أبناء الأنصار، فقال آباؤكم: لا ندع أبناءنـا (يعنون: لا ندعهم يعتنقون اليهوديـة) فأنـزل الله تعالى هذه الآية: لا إكراه في الدين.(2)
فرغم الظروف التي دخل بها أبناء الأنصار لدين اليهود وهم صغار، رفض القرآن محاولة الأباء إكراههم على الإسلام، لأن الهداية والظلال بيد الله سبحانه وتعالى: فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام، ومن يرد أن يظلله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء(3).
وبهذا المبدأ العظيم الذي أقره القرآن الكريم، استطاع اليهود والنصارى على إثره أن يعيشوا تحت راية الإسلام عيشة هنيئة، رغيدة، سمحت لهم بالتمتع بشعائرهم كما يشاؤون، وما معاملة النبي لهم إلا دليل على ذلك، فقد ذكر ابن إسحاق في السيرة أن وفد نجران، وهم من النصارى لما قدموا على رسول بالمدينة، دخلوا عليه مسجده بعد العصر فكانت صلاتهم، فقاموا يصلون في مسجده، فأراد الناس منعهم، فقال رسول الله دعوهم، فاستقبلوا المشرق فصلوا صلاتهم.
وجاء في المعاهدة التي عقدها عليه السلام مع يهود المدينة بعد هجرته «... لليهود دينهم وللمسلمين دينهم...»، وعلى هذا النهج سار الصحابة الكرام والتابعون من بعدهم في احترام عقيدة الآخرين الذين يعيشون تحت حكمهم والبر بهم.
-الزواج من أهل الكتاب وأكل طعامهم: لقد أباح الله سبحانه وتعالى للمؤمنين أن يتزوجوا من الكتابيات العفيفات المحصنات، وأن يأكلوا من طعامهم، ما عدا الخمر والخنزير وما أهل لغير الله به قال تعالى: ... وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا أتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان...(1)، والذين أوتوا الكتاب هم أتباع التوراة والإنجيل سواء كانوا ممن دعاهم موسى وعيسى عليهما السلام إلى أتباع الدين، أم كانوا ممن اتبعوا الدينين اختيارا.(2)
قال الطاهر بن عاشور: وحكمة الرخصة في أهل الكتاب: لأنهم على دين إلهي ويحرم الخبائث، ويتقي النجاسة، ولهم في شؤونهم أحكام مضبوطة متبعة لا تظن بهم مخالفتنا، وهي مستندة للوحي الإلهي بخلاف المشركين وعبدة الأوثان(3)، وقال ابن كثير: هذا أمر مجمع العلماء أن ذبائحهم حلال للمسلمين لأنهم يعتقدون تحريم الذبح لغير الله ولا يذكرون على ذبائحهم إلا اسم الله وإن اعتقدوا فيه تعالى ما هو منزه عن قولهم تعالى وتقدس.(4)
وقال سيد قطب: وهنا نطلع على صفحة من صفحات السماحة الإسلامية في التعاون مع غير المسلمين، ممن يعيشون في المجتمع الإسلامي «في دار الإسلام» أو تربطهم به روابط الذمة والعهد من أهل الكتاب.
إن الإسلام لا يكتفي بأن يترك لهم حريتهم الدينية، ثم يعتزلهم، فيصبحوا في المجتمع الإسلامي مجفوين معزولين أو منبوذين إنما يشملهم بجو من المشاركة الاجتماعية والمودة والمجاملة والخلطة، فيجعل طعامهم حلا للمسلمين وطعام المسلمين حلا لهم كذلك، ليتم التزاور والتضايق والمؤاكلة والمشاربة، وليظل المجتمع كله في ظل المودة والسماحة ... وكذلك يجعل العفيفات من المسلمات وهي سماحة، لم يشعر بها إلا أتباع الإسلام.(1)
لقد أكد الإسلام من جديد على أنه المنهج الوحيد الذي يسمح بقيام مجتمع عالمي، فكل القوانين التي سنها تنادي بالمحبة والأخوة بين جميع البشر بصفتهم إخوانا في الإنسانية، وأقام العلاقات بين أفراد المجتمع على أسس تجاوز بها كل الاختلافات والفوارق الدينية والعرقية، وجعلها علاقات بعيدة عن كل تعصب مهما كان أصله ولونه.
- الإيمان بالأديان السماوية السابقة: لقد أرسل الله محمدا خاتما للنبيئين، ومصدقا للرسل من قبله، وأنزل عليه القرآن الكريم مؤيدا للكتب السماوية المنزلة، ولا يصح الإسلام بغير إيمان بالأنبياء السابقين، وبما أنزل عليهم من كتب، والقرآن الكريم مليء بالآيات التي تؤكد ذلك، قال تعالى: قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط، وما أوتي موسى وعيسى وما أوحي النبيون من ربهم، لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون(2)، وقال أيضـا: آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنـون، كل آمن بالله وملائكتـه وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله.(3)
قال سيد قطب في تفسيره لهذه الآية: والإيمان بكتب الله ورسله بدون تفرقة بين أحد من رسله هو المقتضى الطبيعي الذي ينبثق من الإيمان بالله في الصورة التي يرسمها الإسلام، فالإيمان بالله يقتضي الاعتقاد بصحة كل ما جاء من عند الله، وصدق كل الرسل الذين يبعثهم الله، ووحدة الأصل التي تقوم عليه رسالتهم، وتتضمنه الكتب التي نزلت عليهم ... ومن ثم لا تقوم التفرقة بين الرسل في ضمير المسلم. فكلهم جاء من عند الله بالإسلام في صورة من صوره المناسبة لحال القوم الذين أرسل إليهم، حتى انتهى الأمر إلى خاتم النبيئين محمد فجاء بالصورة الأخيرة للدين الواحد، لدعوة البشرية كلها إلى يوم القيامة.(1)
وقال ابن كثير:« فالمؤمنون يؤمنون بأن الله واحد أحد، فرد صمد، لا إله غيره ولا رب سواه، ويصدقون بجميع الأنبياء والرسل والكتب المنزلة من السماء على عباد الله المرسلين والأنبياء لا يفرقون بين أحد منهم فيؤمنون ببعض ويكفرون ببعض بل الجميع عندهم صادقون برون راشدون هادون إلى سبيل الخير، وإن كان بعضهم نسيج شريعة بعض بإذن الله حتى نسخ الجميع بشرع محمد خاتم الأنبياء والمرسلين الذي تقوم الساعة على شريعته ...».(2)
وتحت ضوء هذه الآيات الكريمات أقر المسلمون بنبوة موسى وعيسى عليهما السلام، وآمنوا بهما ونزهوا نسب عيسى واعتبروا إنكار رسالتهما بمثابة كفر بالله سبحانه وتعالى، إذ ليس في الإسلام تعصب ضد اليهودية أو المسيحية، وليس فيه اتهام لنبي ولا تهجم على رسول، على عكس ما نجده بين اليهود والنصارى من عداء وتباغض. ذلك أن اليهود يؤمنون بنبوة موسى عليه السلام فقط كما يعتقدون أنهم شعب الله المختار. في حين يكذبون بنبوة عيسى عليه السلام ومحمد ، وبالتالي فلا قيمة في نظرهم للمسيحية ولا للإسلام. والمسيحيون يقرون بنبوة موسى وبالتوراة، لكنهم يحقدون على اليهود لأنهم يحرفون نسب عيسى ويجحدون رسالته، كما أن الإسلام في زعمهم افتراء عربي ادعى النبوة، ومن هنا يتبين لنا مدى التسامح الكبير الذي يمتاز به المسلمون عن غيرهم من أصحاب الديانات السماوية الأخرى.
إن الإيمان بالأديان السابقة مبدأ من مبادئ الإسلام الراسخة، وهو الأساس الثابت الذي تقوم عليه علاقة المسلم مع أهل الأديان السماوية، فمن هذا المبدأ تنبع رؤية الإسلام إلى التعامل مع غير المسلمين. فلا تكتمل عقيدة المسلم إلا إذا آمن بالرسل جميعا، لا يفرق بين أحد منهم، وهذا هو البعد الإنساني الذي يعطي للتسامح في الإسلام مساحات واسعة يقول تعالى: وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس، وأنزل الفرقان(1) ويقول عز من قائل: إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة.(2)
)- سورة الحجرات، الآية:13.
(2)- في ظلال القرآن، سيد قطب، ج 26، ص: 3347.
(3)- تفسير ابن كثيرا، ج 7، ص: 258.
(4)- التحرير والتنوير، ج 26، ص: 258.
)- التحرير والتنوير، ج 26، ص: 258.
(2)- سورة فاطر، الآية: 11.
(3)- سورة المؤمنون، الآيتان: 12-13
(4)- أخرجه البخاري، كتاب الوصايا، باب هل يدخل النساء والولد في المقابر، رقم الحديث: 2548.
)- العدالة الاجتماعية في الإسلام، سيد قطب، ص 138.
(1)- سورة الممتحنة، الآية: 8.
(2)- في ظلال القرآن، ج 27، ص: 354
(3)- تفسير ابن كثير، ج 8، ص: 58.
)- التحرير والتنوير، ج 28، ص: 153.
(1)- التفسير المنير، وهبة الزحيلي، ج 28، ص: 135-136.
(2)- روح الدين الإسلامي، عبد الفتاح طبارة، ص: 285.
(3)- تاريخ الطبري، ج 3، ص: 609.
1)- فتوح البلدان، البلاذري، ص: 166.
(2)- روح الدين الإسلامي، عبد الفتاح طبارة، ص: 20.
(3)- سورة البقرة، الآية: 255.
(4)- سورة يونس، الآية: 99
(5)- تفسير ابن كثير، ج 1، ص: 362.
)- التحرير والتنوير، ج 3، ص: 26.
(1)- في ظلال القرآن، ج 3، ص: 291.
(2)- تفسير ابن كثير، ج 1، ص: 362.
(3)- سورة الأنعام، الآية: 126.
1)- سورة المائدة، الآية: 5.
(2)- التحرير والتنوير، ج 6، ص: 120.
(3)- نفسه، ص: 121.
(4)- تفسير ابن كثير، ج3، ص: 26
1)- في ظلال القرآن، ج 5، ص: 848.
(2)- سورة البقرة، الآية، 135.
(3)- سورة البقرة، الآية، 284.
1)- في ظلال القرآن، ج 2، ص: 342.
(2)- تفسير ابن كثير، ج 1، ص: 397.
)- سورة آل عمران، الآيتان: 2-3.
(2)- سورة الصف، الآية: 6.
التسامح عند الغرب
التسامح عند الغرب.
ظهرت فكرة التسامح عند الغرب في القرون الوسطى أو ما يسمى بعصر النهضة والإصلاح في فترة تميزت بسلطة مطلقة للكنيسة على الحياة والدولة والمجتمع والفرد، ثم تركزت الفكرة كقيمة أخلاقية ذات دلالات سياسية ومجتمعية في القرن 18م، أو ما يعرف بعصر التنوير. وممن ساهم في إبراز هذه الفكرة من المفكرين في تلك الحقبة من الزمن، نذكر: جاكوب أكونتيوس Acontius (ت 1556م) وجان بودان Boudin (ت 1596م) وجون لوك John locke صاحب الرسالة الشهيرة المعروفة بعنوان "رسالة عن التسامح" وفولتير Voltaire وغيرهم من المفكرين.
وقد شهدت فكرة التسامح عند الغرب تطورا في مدلولاتها عبر السنين مواكبة لتطور الفكر الغربي نفسه عن العالم والحياة. فخرجت بذلك من طور المحلية أي التسامح بين أفراد الشعب إلى طور العالمية أي التسامح بين البشر كافة.
إلا أن هذا التطور والتقدم في المعنى والدلالة يبقى مجرد حبر على ورق، فما نشاهده اليوم على أرض الواقع، بعيد كل البعد عما نظَّر له المفكرون الغربيون للتسامح، بحيث تقول النظرية أن التسامح «ينجلي في الاستعداد لتقبل وجهات النظر المختلفة فيما يتعلق باختلافات السلوك والرأي دون الموافقة عليها» وتقول «باحترام وتقدير وقبول التنوع الثري لثقافات عالمنا، ومختلف أنماطها التعبيرية، وطرق تحقيق كيونتنـا الإنسانية»(1)، مما يعني أن نظرية التسامح تقر بوجود الاختلاف بين البشر في ثقافاتهم وحضاراتهم، وتقبل التنوع بين أنماط العيش المختلفة والسلوكيات المتباينة بين البشر. إلا أن الممارسة العملية تهدم هذا التصور بكل مدلولاته ومعانيه وأسسه التي قام عليها. فالدعوة إلى الاندماج في المجتمع الغربي التي تفيد الذوبان في ثقافة المجتمع وحضارته، والتي تفيد تخلي المسلم عن هويته وعقيدته، وثقافته، وحضارته وقيمه، على النقيض تماما من نظرية التسامح التي نظر لها الغرب بمفكريه ومؤسساته المحلية والعالمية، والحملة المتواصلة على الإسلام في بلاد الغرب أكبر شاهد على هذا التناقض بين الفكر والممارسة.
وما يرى من تشويه لصورة الإسلام في وسائل الإعلام، ومن تصريحات يومية تطعن فيه وفي أصله، لا يدل مطلقا على احترام وتقدير لبقية الثقافات المغايرة لثقافة الغرب.
ومشكلة الحجاب التي أثيرت بقوة في بلاد الغرب خرق فاضح لنظرية تقوم على حرية التدين، وتنص على أن التسامح يعني أن نقبل بأن البشر من طبيعته أن يختلف في المظهر والحالة، والكلام، والسلوك، والقيم(2).
وما تقوم به أمريكا وإنجلترا في العراق، وما يراد بالعالم الإسلامي ككل من حملة على تطبيق الديمقراطية والعلمانية، وتغيير مناهج تعليمه إلا دليلا واضحا على مخالفة نظرية التسامح.
ولكن السؤال الذي يبقى مطروحا هو: هل يمكن للغرب الذي يطمع في ثروات المسلمين أن يكون في يوم من الأيام متسامحا حقا؟
ظهرت فكرة التسامح عند الغرب في القرون الوسطى أو ما يسمى بعصر النهضة والإصلاح في فترة تميزت بسلطة مطلقة للكنيسة على الحياة والدولة والمجتمع والفرد، ثم تركزت الفكرة كقيمة أخلاقية ذات دلالات سياسية ومجتمعية في القرن 18م، أو ما يعرف بعصر التنوير. وممن ساهم في إبراز هذه الفكرة من المفكرين في تلك الحقبة من الزمن، نذكر: جاكوب أكونتيوس Acontius (ت 1556م) وجان بودان Boudin (ت 1596م) وجون لوك John locke صاحب الرسالة الشهيرة المعروفة بعنوان "رسالة عن التسامح" وفولتير Voltaire وغيرهم من المفكرين.
وقد شهدت فكرة التسامح عند الغرب تطورا في مدلولاتها عبر السنين مواكبة لتطور الفكر الغربي نفسه عن العالم والحياة. فخرجت بذلك من طور المحلية أي التسامح بين أفراد الشعب إلى طور العالمية أي التسامح بين البشر كافة.
إلا أن هذا التطور والتقدم في المعنى والدلالة يبقى مجرد حبر على ورق، فما نشاهده اليوم على أرض الواقع، بعيد كل البعد عما نظَّر له المفكرون الغربيون للتسامح، بحيث تقول النظرية أن التسامح «ينجلي في الاستعداد لتقبل وجهات النظر المختلفة فيما يتعلق باختلافات السلوك والرأي دون الموافقة عليها» وتقول «باحترام وتقدير وقبول التنوع الثري لثقافات عالمنا، ومختلف أنماطها التعبيرية، وطرق تحقيق كيونتنـا الإنسانية»(1)، مما يعني أن نظرية التسامح تقر بوجود الاختلاف بين البشر في ثقافاتهم وحضاراتهم، وتقبل التنوع بين أنماط العيش المختلفة والسلوكيات المتباينة بين البشر. إلا أن الممارسة العملية تهدم هذا التصور بكل مدلولاته ومعانيه وأسسه التي قام عليها. فالدعوة إلى الاندماج في المجتمع الغربي التي تفيد الذوبان في ثقافة المجتمع وحضارته، والتي تفيد تخلي المسلم عن هويته وعقيدته، وثقافته، وحضارته وقيمه، على النقيض تماما من نظرية التسامح التي نظر لها الغرب بمفكريه ومؤسساته المحلية والعالمية، والحملة المتواصلة على الإسلام في بلاد الغرب أكبر شاهد على هذا التناقض بين الفكر والممارسة.
وما يرى من تشويه لصورة الإسلام في وسائل الإعلام، ومن تصريحات يومية تطعن فيه وفي أصله، لا يدل مطلقا على احترام وتقدير لبقية الثقافات المغايرة لثقافة الغرب.
ومشكلة الحجاب التي أثيرت بقوة في بلاد الغرب خرق فاضح لنظرية تقوم على حرية التدين، وتنص على أن التسامح يعني أن نقبل بأن البشر من طبيعته أن يختلف في المظهر والحالة، والكلام، والسلوك، والقيم(2).
وما تقوم به أمريكا وإنجلترا في العراق، وما يراد بالعالم الإسلامي ككل من حملة على تطبيق الديمقراطية والعلمانية، وتغيير مناهج تعليمه إلا دليلا واضحا على مخالفة نظرية التسامح.
ولكن السؤال الذي يبقى مطروحا هو: هل يمكن للغرب الذي يطمع في ثروات المسلمين أن يكون في يوم من الأيام متسامحا حقا؟
مفهوم التسامح في الاسلام
التسامح من المعاني العظيمة التي جاء بها الإسلام كالوسيطة والتيسير والعدل والعفو والصفح وغير ذلك، لها ضابطها الشرعي الذي إن حادث عنه كانت عقبة كئودا في فهم طبيعة الإسلام.
والتسامح في الإسلام لا يعني الضعف، فالإسلام يأبى الضيم ويرفض لأتباعه الذل والهوان ومن يظنون التسامح والصفح والحلم والعفو ضعفا لا يدركون عظمة هذا الدين.
وإذا كان القرآن الكريم دعا دائما إلى التسامح فإنه حث المسلمين أيضا على الدفاع عن حقوقهم، قال تعالى: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم(1)، كما اعتبر الإسلام أن من يموت دفاعا عن عرضه وأرضه شهيدا.
وحقيقة الأمر أن التسامح يجب أن يكون مع من يتسامح، والمسلمون دائما هم متسامحون لأنهم وسعوا الآخرين بصدورهم، وحسن معاملتهم. إلا أن هذا التسامح يجب أن يكون في حدود ما رخص لنا الله تعالى فيه.
فالإسلام عندما يدعو إلى التسامح، فهو يدعو إلى التسامح في المعاملات كالبر والعدل والإحسان إلى المخالفين كما قال الله تعالى: لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهـم وتقسطوا إليهـم إن الله يحب المقسطين(2) ويدعـو إلى حريـة العقيدة فمن شاء فليؤمن ومـن شـاء فليكفـر(3) لا إكراه في الدين(4) ...، أي أن يكون هذا التسامح في حدود الشرع، على عكس ما يدعو إليه دعاة التسامح اليوم. فنحن حينما نستقرئ الواقع المعاش لهؤلاء نجدهم يدعون إلى التسامح المطلق الذي لا تقيده قيود ولا تحده حدود، ووقتها تكون دعوتهم متوجهة إلى تسامح التحدي والانتهاكات لحرمات الله تعالى. فهم يريدون التسامح حتى في الحدود التي شرعها الله تعالى، فالزاني لا يجلد ولا يرجم، والسارق لا يقطع، وشارب الخمر لا يضرب، بل بالغوا في ذلك ودعوا إلى التخلي عن إقامة أركان الإسلام، فلا صلاة تقام، ولا زكاة تدفع، ولا الصيام يحترم، ولا الحج يباشر بحق. "ولا أدري ما الذي يقلق المسيحي، أو اليهودي من قطع يد السارق، مسلما كان أو غير مسلم، ومن جلد القاذف أو الزاني أو السكير، ومن غير ذلك من الأحكام والحدود؟"(1)
والغريب في الأمر هو أنهم يفعلون كل ذلك باسم التسامح الديني ونسى أعداء الله بأن التسامح الديني في الإسلام محكوم بقوانين تضبطه، وتنظم مجالاته بدقة. فهو في المجال العقائدي ممنوع منعا كليا، لذلك لا يجوز للمسلم أن يتسامح مع غيره أو يفتح قلبه لغير الإسلام باسم التسامح الديني، لأن من فتح قلبه لشيء دان له وابتغاه دينيا، والقانون الصادر عن الله تعالى في هذا الأمر صريح وقاطع لا يحتمـل أي تأويـل، قـال تعالى: إن الدين عند الله الإسلام(2). وقال أيضا: ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين(3). قال الزحيلي في تفسيره لهذه الآية أي: «من طلب غير الإسلام دينا فلن يقبل منه قطعا وهو من الذين وقعوا في الخسران مطلقا، لأنه سلك طريقا سوى ما شرعه الله تعالى، وأضاع ما جبلت عليه الفطرة السليمة من توحيد الله والانقياد لأوامره»(4) كما قال تعالى: قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم، ألا ذلك هو الخسران المبين(5) وقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد و مسلم عن عائشـة رضي الله عنها: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد»(6).
وعلى هذا يكون واجبا على كل مسلم ألا يتسامح في حدود الله التي أمر بها أن تطبق في الشريعة. فالتسامح في إقامة هذه الحدود محظور، ولو كان بدافع الشفقة والرحمة، فلا شفقة ولا رحمة مع تطبيق حدود الله كما قال تعالى: ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله(1).
وإذا نظرنا إلى هذه الحدود التي شرعها الله سبحانه وتعالى لعباده، سنجد على أن فيها مصلحة لفائدة الخلق لا لفائدة الخالق، لأن الخالق عزيز وهو أدرى بما يصلح به حال خلقه، لذلك شرعت هذه الحدود بحكمته التي لا تخطيء إطلاقا، لأنها حكمة قائمة على أساس المعرفة الشاملة والعلم المحيط بكل شيء.
والإدعاء بأن سيادة النظام الإسلامي في إرغام ليغير المسلمين على ما يخالف دينهم، فهو إدعاء غير صحيح، لأن الإسلام لم يجبر أحدا على ترك أمر يراه في دينه واجبا، ولا على فعل أمر يراه عنده حراما، فالإسلام كما قال الدكتور يوسف القرضاوي(2) عقيدة، وعبادة، وأخلاق، وشريعة، فهو في المجال العقائدي والتعبدي لا يفرضه على أحد، بل لكل شخص حريته في العبادة. كما قال الله تعالى: لا إكراه في الدين(3). وقد فصلنا القول في هذا سابقا، فمنذ عهد الخلفاء الراشدين واليهود والنصارى يؤدون عباداتهم ويقيمون شعائرهم في حرية وأمان. كما هو منصوص عليه في العهود التي كتبت في عهد أبي بكر وعمر كما أن الإسلام لم يفرض على غير المسلمين الزكاة والجهاد باعتبارهما من العبادات الكبرى، وكلفهم مقابل ذلك ضريبة أعفي منها النساء والأطفال والفقراء والعاجزين وهي التي تسمى بالجزية.
وإذا أردنا الحديث عن الأخلاق، فسنجد أن كل الديانات السماوية تدعو إلى العدل والرحمة والإحسان، وتحرم الظلم والغش والسرقة والزنا وغيرها من الرذائل.
أما فيما يخص الشريعة التي تنظم علاقات الناس فيما بينهم، كعلاقة الفرد بأمته، وعلاقته بالمجتمع، وعلاقته بالدولة، وعلاقة الدولة بالرعية وبالدول الأخرى، فهم في هذه العلاقات مخيرون بين الاحتكام إلى دينهم والاحتكام إلى شرع الإسلام.
وفي العقوبات قرر الفقهاء أن الحدود لا تقام عليهم إلا فيما يعتقدون تحريمه كالسرقة والزنا، لا فيما يعتقدون حله كشرب الخمر وأكل لحم الخنزير(1)، بل أكثر من هذا نجد الإسلام منح لغير المسلمين في المجتمع الإسلامي محاكم خاصة يحتكمون إليها كما سجل ذلك التاريخ.
وفي هذا يقول المؤرخ الغربي (أدم متز) في كتابه "الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري": «كما كان الشرع الإسلامي خاصا بالمسلمين فقد خلت الدولة الإسلامية بين أهل الملل الأخرى وبين محاكمهم الخاصة. والذي نعلمه من أمر هذه المحاكم أنها كانت محاكم كنسية، وكان رؤساء المحاكم الروحيون يقومون فيها مقام كبار القضاة أيضا، وقد كتبوا كثيرا من كتب القانون، ولم تقتصر أحكامهم على مسائل الزواج، بل كانت تشمل إلى جانب ذلك مسائل الميراث وأكثر المنازعات التي تخص المسيحيين وحدهم مما لا شأن للدولة به ... ثم يضيف أما في الأندلس، فعندنا أكثر من مصدر جدير بالثقة أن النصارى كانوا يفصلون في خصوماتهم بأنفسهم، وأنهم لم يكونوا يلجؤون إلى القاضي «المسلم» إلا في مسائل القتل»(2).
والتسامح في الإسلام لا يعني الضعف، فالإسلام يأبى الضيم ويرفض لأتباعه الذل والهوان ومن يظنون التسامح والصفح والحلم والعفو ضعفا لا يدركون عظمة هذا الدين.
وإذا كان القرآن الكريم دعا دائما إلى التسامح فإنه حث المسلمين أيضا على الدفاع عن حقوقهم، قال تعالى: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم(1)، كما اعتبر الإسلام أن من يموت دفاعا عن عرضه وأرضه شهيدا.
وحقيقة الأمر أن التسامح يجب أن يكون مع من يتسامح، والمسلمون دائما هم متسامحون لأنهم وسعوا الآخرين بصدورهم، وحسن معاملتهم. إلا أن هذا التسامح يجب أن يكون في حدود ما رخص لنا الله تعالى فيه.
فالإسلام عندما يدعو إلى التسامح، فهو يدعو إلى التسامح في المعاملات كالبر والعدل والإحسان إلى المخالفين كما قال الله تعالى: لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهـم وتقسطوا إليهـم إن الله يحب المقسطين(2) ويدعـو إلى حريـة العقيدة فمن شاء فليؤمن ومـن شـاء فليكفـر(3) لا إكراه في الدين(4) ...، أي أن يكون هذا التسامح في حدود الشرع، على عكس ما يدعو إليه دعاة التسامح اليوم. فنحن حينما نستقرئ الواقع المعاش لهؤلاء نجدهم يدعون إلى التسامح المطلق الذي لا تقيده قيود ولا تحده حدود، ووقتها تكون دعوتهم متوجهة إلى تسامح التحدي والانتهاكات لحرمات الله تعالى. فهم يريدون التسامح حتى في الحدود التي شرعها الله تعالى، فالزاني لا يجلد ولا يرجم، والسارق لا يقطع، وشارب الخمر لا يضرب، بل بالغوا في ذلك ودعوا إلى التخلي عن إقامة أركان الإسلام، فلا صلاة تقام، ولا زكاة تدفع، ولا الصيام يحترم، ولا الحج يباشر بحق. "ولا أدري ما الذي يقلق المسيحي، أو اليهودي من قطع يد السارق، مسلما كان أو غير مسلم، ومن جلد القاذف أو الزاني أو السكير، ومن غير ذلك من الأحكام والحدود؟"(1)
والغريب في الأمر هو أنهم يفعلون كل ذلك باسم التسامح الديني ونسى أعداء الله بأن التسامح الديني في الإسلام محكوم بقوانين تضبطه، وتنظم مجالاته بدقة. فهو في المجال العقائدي ممنوع منعا كليا، لذلك لا يجوز للمسلم أن يتسامح مع غيره أو يفتح قلبه لغير الإسلام باسم التسامح الديني، لأن من فتح قلبه لشيء دان له وابتغاه دينيا، والقانون الصادر عن الله تعالى في هذا الأمر صريح وقاطع لا يحتمـل أي تأويـل، قـال تعالى: إن الدين عند الله الإسلام(2). وقال أيضا: ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين(3). قال الزحيلي في تفسيره لهذه الآية أي: «من طلب غير الإسلام دينا فلن يقبل منه قطعا وهو من الذين وقعوا في الخسران مطلقا، لأنه سلك طريقا سوى ما شرعه الله تعالى، وأضاع ما جبلت عليه الفطرة السليمة من توحيد الله والانقياد لأوامره»(4) كما قال تعالى: قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم، ألا ذلك هو الخسران المبين(5) وقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد و مسلم عن عائشـة رضي الله عنها: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد»(6).
وعلى هذا يكون واجبا على كل مسلم ألا يتسامح في حدود الله التي أمر بها أن تطبق في الشريعة. فالتسامح في إقامة هذه الحدود محظور، ولو كان بدافع الشفقة والرحمة، فلا شفقة ولا رحمة مع تطبيق حدود الله كما قال تعالى: ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله(1).
وإذا نظرنا إلى هذه الحدود التي شرعها الله سبحانه وتعالى لعباده، سنجد على أن فيها مصلحة لفائدة الخلق لا لفائدة الخالق، لأن الخالق عزيز وهو أدرى بما يصلح به حال خلقه، لذلك شرعت هذه الحدود بحكمته التي لا تخطيء إطلاقا، لأنها حكمة قائمة على أساس المعرفة الشاملة والعلم المحيط بكل شيء.
والإدعاء بأن سيادة النظام الإسلامي في إرغام ليغير المسلمين على ما يخالف دينهم، فهو إدعاء غير صحيح، لأن الإسلام لم يجبر أحدا على ترك أمر يراه في دينه واجبا، ولا على فعل أمر يراه عنده حراما، فالإسلام كما قال الدكتور يوسف القرضاوي(2) عقيدة، وعبادة، وأخلاق، وشريعة، فهو في المجال العقائدي والتعبدي لا يفرضه على أحد، بل لكل شخص حريته في العبادة. كما قال الله تعالى: لا إكراه في الدين(3). وقد فصلنا القول في هذا سابقا، فمنذ عهد الخلفاء الراشدين واليهود والنصارى يؤدون عباداتهم ويقيمون شعائرهم في حرية وأمان. كما هو منصوص عليه في العهود التي كتبت في عهد أبي بكر وعمر كما أن الإسلام لم يفرض على غير المسلمين الزكاة والجهاد باعتبارهما من العبادات الكبرى، وكلفهم مقابل ذلك ضريبة أعفي منها النساء والأطفال والفقراء والعاجزين وهي التي تسمى بالجزية.
وإذا أردنا الحديث عن الأخلاق، فسنجد أن كل الديانات السماوية تدعو إلى العدل والرحمة والإحسان، وتحرم الظلم والغش والسرقة والزنا وغيرها من الرذائل.
أما فيما يخص الشريعة التي تنظم علاقات الناس فيما بينهم، كعلاقة الفرد بأمته، وعلاقته بالمجتمع، وعلاقته بالدولة، وعلاقة الدولة بالرعية وبالدول الأخرى، فهم في هذه العلاقات مخيرون بين الاحتكام إلى دينهم والاحتكام إلى شرع الإسلام.
وفي العقوبات قرر الفقهاء أن الحدود لا تقام عليهم إلا فيما يعتقدون تحريمه كالسرقة والزنا، لا فيما يعتقدون حله كشرب الخمر وأكل لحم الخنزير(1)، بل أكثر من هذا نجد الإسلام منح لغير المسلمين في المجتمع الإسلامي محاكم خاصة يحتكمون إليها كما سجل ذلك التاريخ.
وفي هذا يقول المؤرخ الغربي (أدم متز) في كتابه "الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري": «كما كان الشرع الإسلامي خاصا بالمسلمين فقد خلت الدولة الإسلامية بين أهل الملل الأخرى وبين محاكمهم الخاصة. والذي نعلمه من أمر هذه المحاكم أنها كانت محاكم كنسية، وكان رؤساء المحاكم الروحيون يقومون فيها مقام كبار القضاة أيضا، وقد كتبوا كثيرا من كتب القانون، ولم تقتصر أحكامهم على مسائل الزواج، بل كانت تشمل إلى جانب ذلك مسائل الميراث وأكثر المنازعات التي تخص المسيحيين وحدهم مما لا شأن للدولة به ... ثم يضيف أما في الأندلس، فعندنا أكثر من مصدر جدير بالثقة أن النصارى كانوا يفصلون في خصوماتهم بأنفسهم، وأنهم لم يكونوا يلجؤون إلى القاضي «المسلم» إلا في مسائل القتل»(2).
الثلاثاء، 22 مارس 2011
قاعدة العادة محكمة
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
وبعد:
تعتبر قاعد العادة محكمة من القواعد المهمة في الفقه الإسلامي إلى جانب القواعد الفقهية الكبرى الأخرى )الأمور بمقاصدها – اليقين لا يزول بالشك – المشقة تجلب التيسير – الضرر يزال ) وتظهر أهمية هذه القاعدة جليا في رجوع الفقهاء إليها في الكثير من الأمور المتعلقة بمجال القضاء والفتوى مع التفاوت بين المذاهب في مقدار الأخذ بها .
فما معنى هذه القاعدة؟
وما مستندها الشرعي ؟
وما هي تطبيقاتها ومستثنياتها ؟
وما هي القواعد الصغرى المتفرعة عنها ؟
معنى القاعدة
تتكون هذه القاعدة من ركنين أساسيين :
الركن الأول : العادة
الركن الثاني : محكمة بمعنى تحكيمها وإعمالها في الأحكام
وسنحاول تعريف كل ركن على حدة من الناحية اللغوية والإصطلاحية
تعريف العادة في اللغة :
- العادة: هي الديدن وهو الدأب والإستمرار على الشيء وسميت بذلك لأن صاحبها يعاودها ويرجع إليها مرة بعد أخرى كما قال الله عز وجل { رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ } , وقال سبحانه وتعالى {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } .
- وقيل العادة هي كل ما اعتيد حتى صار يفعل من غير جهد
وقال الجرجاني : العادة ما استمر الناس عليه على حكم المعقول وعادوا إليه مرة بعد أخرى
يفهم من هذه التعاريف اللغوية أن لفظة العادة تعني تكرر الشيء ومعاودته.
أما من الناحية الإصطلاحية : فهي ما اشتهر بين الناس وتعارفوا عليه ، ولم يخالف شرعا أو شرطا
وقال ابن فرحون رحمه الله : العادة هي غلبة معنى من المعاني على جميع البلاد أو بعضها.
- ومعنى محكّمة :فهي من التحكيم : وهو جعل الشيء حكما
وجاء في شرح المجلة لعلي حيدر أن معنى محكمة أي هي المرجع عند النزاع لأنها دليل يبنى عليه الحكم.
العلاقة بين العادة والعرف
انطلا قا من التعريف الإصطلاحي للعادة يتبين لنا أنها قد تكون مرادفة للعرف.
فالعرف في اللغة: قريب من معنى العادة،قال صاحب معجم مقاييس اللغة أحمد بن فارس:
"عَرَفَ" العين والراء والفاء أصلان صحيحان يدلُّ أحدُهما على تتابُع الشيء متَّصلاً بعضُه ببعض، والآخر على السكون والطُّمَأنينة.
وأما في الإصطلاح فالعرف يراد به: ما اطمأنت إليه النفوس وتتابعت عليه
وعرفه الفقهاء بقولهم: ما استقر في النفوس واستحسنته العقول وتلقته الطباع السليمة بالقبول واستمر الناس عليه مما لا ترده الشريعة وأقرتهم عليه .
قال الإمام القرطبي : العرف والمعروف والعارفة : كل خصلة حسنة ترتضيها العقول وتطمئن اليها النفوس
وذهب بعض الفقهاء إلى أنه لا فرق بين العادة والعرف , فهما لفظان مترادفان , في حين ذهب آخرون إلى أن العادة أعم من العرف لأنها تكون من الفرد ومن الجماعة ,فهي تشمل العادة الفردية والعادة الجماعية أما العرف فلا يكون إلا من جميع الناس أو أغلبهم.
وعليه يمكن القول بأن:
-كل عرفٍ عادة وليست كل عادةٍ عرفاً.
- العادة (عادة جماعية أو فردية )كل ما اعتاده شخصٌ بعينه كطريقة لبسه, طريقة مشيته, طريقة أكله, طريقة حديثه وهكذا.
- أما العرف فهو ما تعارف عليه أهل البلد واعتادوه.
- العرف والعادة هما بمعنى واحد إذا ما تحدث عنهما الفقهاء وبنوا الأحكام عليهما
شروط العرف :
وضع العلماء للعرف شروطا لا بد له منها حتى نعمل به، وقد حددوها في أربعة شروط:
أولها: أن يكون العرف مطردًا غالبًا بحيث لا يكون مضطربًا؛ لأنه إذا كان مضطربًا غير غالب، فلا يقال له عرف، وهذا ما يعبرون عنه بقولهم: العبرة للغالب الشائع دون النادر.
ثانيا: أن يكون العرف غير مخالف للشريعة، فالمخالف للشريعة لا عبرة به، ومقال ذلك: ما لو كان في العرف بناء البيوت على شكل مفتوح، بحيث لا يستتر النساء في البيوت، فإن هذا العرف مخالف للشريعة، ومن، ثم لا يلتف إليه، ولا تقيد به العقود.
ثالثا: أن يكون العرف سابقا غير لاحق، ومن هنا فإننا نعمل بالعرف السابق المقارب دون العرف اللاحق، ومثال ذلك: لو اشترى إنسان من غيره بستين ريالًا قبل مائة سنة، فإننا لا نحكم على ذلك بالريالات الموجودة بيننا الآن بل بما يسمى ريالًا في ذلك الزمان، كان الريالات في ذلك الزمان من فضة، والآن من ورق فيعمل بحكم العرف السابق.
رابعا: ألا يوجد تصريح يخالف العرف، فإذا وجد تصريح يخالف العرف فالعبرة بالتصريح لا بالعرف، ومن أمثلة ذلك: أنه إذا وضع الطعام أمام الإنسان، فإنه في العرف يجوز الأكل من ذلك الطعام؛ لأن هذا يعتبر إذنًا في العرف، ولكن لو وضع الطعام، ثم قيل لا تأكل من هذا الطعام، فهنا وجدت في مقابلة العرف قرينة تدل على أن ما تعارف عليه الناس ليس مرادًا.
أقسام العرف
العرف والعادة يكونان على وجهين: الأول يقسم إلى ثلاثة أقسام:
1 - العرف العام : هو عرف هيئة غير مخصوص بطبقة من طبقاتها وواضعه غير متعين والعرف العام عندنا هو العرف الجاري منذ عهد الصحابة حتى زماننا والذي قبله المجتهدون وعملوا به ولو كان مخالفا للقياس . مثال ذلك : إذا حلف شخص قائلا والله لا أضع قدمي في دار فلان يحنث سواء دخل تلك الدار ماشيا أو راكبا أما لو وضع قدمه في الدار دون أن يدخلها لا يحنث لأن وضع القدم في العرف العام بمعنى الدخول .
2 - العرف الخاص: هو اصطلاح طائفة مخصوصة على شيء كإستعمال علماء النحو لفظة الرفع وعلماء الأدب كلمة النقد .
3 - العرف الشرعي هو عبارة عن الإصطلاحات الشرعية كالصلاة والزكاة والحج فبإستعمالها في المعنى الشرعي أهمل معناها اللغوي.
والوجه الثاني يقسم أيضا إلى قسمين :
عرف عملي وعرف قولي:
1- العرف العملي : كتعود أهل بلد مثلا أكل لحم الضأن أو خبز القمح فلو وكل شخص من تلك البلدة آخر بأن يشتري له خبزا أو لحما فليس للوكيل أن يشتري للموكل لحم جمل أو خبز ذرة أو شعير استنادا على هذا الإطلاق وهذا العرف عند الحنفية يسمى عرفا عاما مخصصا أي عرف مقيد . 2- العرف القولي : وهو اصطلاح جماعة على لفظ يستعملونه في معنى مخصوص حتى يتبادر معناه إلى ذهن أحدهم بمجرد سماعه وهذا العرف أيضا يسمى عند الحنفية والشافعية عرفا مخصصا .
ومن جهة مدى إقرار الشارع للعرف وعدم إقراره ينقسم إلى قسمين:
1- عرف صحيح: وهو ما تعارفه الناس وليست فيه مخالفة لنص ولا تفويت مصلحة ولا جلب مفسدة، كتعارفهم وقف بعض المنقولات وتعارفهم أن ما يقدمه الخاطب إلى خطيبته من ثياب وحلوى ونحوهايعتبر هدية وليس من المهر.
2- عرف فاسد: وهوما تعارفه الناس مما يخالف الشرع أو يجلب ضررا أو يفوت نفعا كتعارفهم بعض العقود الربوية أو بعض العادات المستنكرة في المآتم والموالد وكثير من احتفالاتهم.
المعنى الاجمالي للقاعدة
معنى القاعدة أن العادة سواء كانت عامة أو خاصة تجعل حكماً لإثبات حكم شرعي.
والعرف والعادة إنما تجعل حكما لإثبات الحكم الشرعي إذا لم يرد نص في ذلك الحكم المراد إثباته فإذا ورد النص عمل بموجبه ولا يجوز ترك النص والعمل بالعادة لأنه ليس للعباد حق تغيير النصوص والنص أقوى من العرف لأن العرف قد يكون مستندا على باطل... أما نص الشارع فلا يجوز مطلقا أن يكون مبنيا على باطل فلذلك لا يترك القوي لأجل العمل بالضعيف
أدلة مشروعية القاعدة:
يدل على مشروعية هذه القاعدة الفقهية أدلة متعددة من الكتاب والسنة، وبيانها على النحو التالي :
أولا:أدلة القاعدة من القرآن الكريم :
1- قوله تعالى): خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)
فقد استدل بها الفقهاء على اعتبار العرف في التشريع لأن لفظ العرف هنا عام وفسره العلماء بعدة تفسيرات منها أنه كل ما أمرك الله به وفُسِّر بأنه كل خصلة حسنة ترتضيها العقول وتطمأن إليها النفوس وفسر بأنه التوحيد وغير ذلك.
2- قوله تعالى:( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا.)
ووجه الإستدلال :أن السبيل معناه لغة الطريق وسبيل المؤمنين طريقهم التي استحسنوها وقد توعد الله بالعقاب والعذاب من اتبع غير سبيلهم فيجب العمل بها.
3- قوله جل شأنه:( وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)
وجه الدلالة:أن الله أوجب النفقة على الوالد بحسب ما تقتضيه العرف لأن كلمة المعروف هنا بمعنى ما يتعارف عليه الناس فنفقة المرأة يرجع إلى العرف.
4- قوله تعالى في كفارة اليمين (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ)
وجه الدلالة:أن الله سبحانه يقرر لنا ضابط تحديد مقدار الإطعام وهو من أوسط ما تطعمون أهليكم وهو عرف الناس
5- وقوله تعالى : ) وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ( وقوله: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)
أرشد الله سبحانه وتعالى الزوجين في عشرتهما ،وأداء حق كل منهما للآخر إلى المعروف المعتاد الذي يرتديه العقل ،ويطمئن إليه القلب ،ولا شك أن ذلك متغير حسب الإختلاف بين المناطق وأحوال الناس
ثانيا :أدلة القاعدة من السنة النبوية
1- روى البخاري في صحيحة من حديث عائشة رضي الله عنها أن هنداً بنت عتبة رضي الله عنها قالت يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم { خذي ما يكفيك وولدكِ بالمعروف } , قال النووي في شرح مسلم عند هذا الحديث, في هذا الحديث فؤائد كثيرة وذكر منها:
اعتماد العرف في الأمور التي ليس فيها تحديد شرعي.
2- وقوله صلى الله عليه وسلم (مارآه المسلمون حسن فهو عند الله حسن )
يضاف إلى هذا ما تعارف عليه الناس في زمن النبي عليه السلام من أموراً تتعلق بشؤون الحياة فلم يحرمها أو ينههم عنها, فدل على جوازها, كما تعارفوا أموراً جاء ما يفيد أن النبي عليه الصلاة والسلام أقرهم عليها أو شاركهم في فعلها, فهذا أيضاً يدل على جوازها.
ومن أظهر الأمثلة على ذلك: عقد السلم, فقد عرفه العرب في الجاهلية وأقرهم عليه الرسول عليه الصلاة والسلام وفيه ما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال قدم النبي عليه الصلاة والسلام المدينة وهم يُسلِفُون الثمر السنة والسنتين فقال { من أسلف في شيء ففي كيلٍ معلوم ووزنٍ معلوم إلى أجلٍ معلوم } .
ثالتا : أدلة القاعدة من الإجــماع :
إتفق الفقهاء على التطبيق العملي لهذه القاعدة وأن العادة يرجع إليها على اعتبارها إحدى القواعد الخمس التي يرجع إليها.
موضوع القاعدة:
يعتبر موضوعاً غضاً طرياً يستجيب لحل كثير من المسائل والحوادث الجديدة, ذلك لأنه يتضمن كثير من المسائل التي تتمتع بسعة ومرونة، إلى جانب كونها محيطة بكثير من الفروع والمسائل, فمن أمعن النظر في هذه القاعدة, ولم ينكر "تغير الأحكام المبنية على الأعراف والمصالح بتغير الزمان" أدرك سعة آفاق الفقه الإسلامي وكفاءته الفاعلة الكاملة لتقديم الحلول الناجحة للمسائل والمشاكل المستحدثة, وصلاحيته لمسايرة ركب الحياة ومناسبته لجميع الأزمنة والأمكنة, وذلك بأن الإسلام دين صالح لكل زمان ومكان لكنه ليس خاضع لكل زمان ومكان.
تطبيقات القاعدة
من تطبيقات هذه القاعدة :
- يجوز إلتقاط الثمار التي يتسارع إليها الفساد من البساتين والرساتيق،على المعتمد ما لم توجد دلالة المنع
- اعتبار الكيل أو الوزن فيما تعورف كيله أو وزنه، مما لا نص فيه من الأمور الربوية،كالزيتون وغيره،وأما ما نص عليه فلا اعتبار للعرف فيه عند الطرفين "
- اعتبار عرف الحالف أو الناظر إذا كان العرف مساويا للفظ أو أخص،فلو حلف لا يأكل رأسا،أو لا يركب ذابة ،أو لا يجلس على بساط لا يحنث برأس عصفور،ولا بركوب إنسان ولا بجلوسه على الأرض؛لأن العرف خص الرأس بما يباع للأكل في الأسواق،والذابة بما يركب عادة،والبساط بالمنسوج المعروف الذي يفرش ويجلس عليه
- أقل الحيض والنفاس والطهر،وغالبها وأكثرها حسب العرف وعادة النساء
- يجوز استعمال الذهب أو الفضة في الضبة إذا كانت قليلة،وتحريم الكثرة والضابط في القلة والكثرة العادة والعرف
- الأفعال المنافية للصلاة إذا كانت قليلة فلا تؤثر،وإن كانت كثيرة فتبطلها والعبرة في ذلك العادة والعرف
- يعفى عن النجاسات القليلة دون الكثيرة،والعبرة في ذلك العرف والعادة"
- "يجوز البناء في الصلاة في الجمع لفاصل قليل ويمنع الكثير وكذا في الخطبة والجمعة والعبرة في ذلك العرف والعادة
- لا يؤثر الفاصل القليل بين الإيجاب والقبول،ويؤثر الكثير،والعبرة للعادة
- لا قطع في السرقة إلا إذا أخذ المال من الحرز،والعبرة في حرز المال العرف والعادة
- العبرة في الأموال الربوية بالوزن أو الكيل فيما جهل حاله في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يراعى فيه بلد البيع في الأصح
- لا يجوز صوم يوم الشك إلا لمن كانت له عادة في صوم مثله وذلك بحسب العادة
- يحرم قبول القاضي للهدية إلا لمن له عادة في إهدائه"
-" إذا اختلف الراهن والمرتهن في قدر الحق،فالقول قول المرتهن إلى قيمة الرهن عند المالكية،وقال أبو حنيفة والشافعي:القول قول الراهن من كل وجه واستند المالكية إلى قاعدة العرف والعادة،بأن العرف يرجع إليه في التخاصم إذا لم يكن هناك ما هو أولى منه والعرف جار بأن الناس لا يرهنون إلا ما يساوي ديونهم أو يقاربها، فمن ادعى خلاف ذلك فقد خرج عن العرف
- إذا اختلف الواهب والموهوب له في الهبة هل هي للثواب أم لا؟فادعى الواهب أنها للثواب وادعى الموهوب له أنها ليست للثواب فيرجع للفصل بينهما إلى العرف الجاري عندهم
- اختلاف الزوجين في قبض المهر أو عدم قبضه،فيحسم هذا لخلاف بالرجوع إلى العرف الجاري في بلدهما في هذه المسالة فان كان العرف جاريا بأن الزوج ينقد الصداق قبل الدخول ثم اختلفا في قبضه بعد الدخول فالقول للزوج احتكاما للعرف"
- "الأجرة في دخول الحمام حسب العادة
- العادة في ركوب سفينة الملاح أنها بأجرة وكذا العادة في أجرة الذابة
- يلزم حفظ الوديعة فيما تحفظ فيه عادة"
- الإستصناع أجازه جمهور الفقهاء لأنه تعارفه الناس وجرى عليه التعامل فجاز استحسانا مبنيا على العرف
- بيع الوفاء أجازه المتأخرون من الحنفية من باب الاستحسان اعتبارا للعرف ولحاجة الناس إليه فرارا من الربا ومنعه الجمهور
- هدايا الخطبة التي يقدمها الرجل لخطيبته من الهدايا العينية وغير العينية المستهلكة وغير المستهلكة ثم يقع العدول عن الخطبة لسبب ما فقال بعض الفقهاء في أحكام الهدايا بالرجوع إلى العرف والعادة فإن كان العدول من الرجل فيمنع من استرداد ما أهداه إليها وإن كان العدول منها فله حق استرداد ما قدمه إليها إن كان قائما بعينه فان كان مستهلكا استرد مثله أو قيمته ويرجع ذلك إلى العرف ويتبع عادة الناس ما لم يكن هناك شرط
- جواز وقف المنقول مستقلا عن العقار إن جرى العرف بوقفه"
- إن جواب السؤال يجري على حسب ما تعارف كل قوم في مكانهم،كما أن السؤال والجواب يمضي على ما عم وغلب لا على ما شذ ونذر
- ذهب الفقهاء إلى أن ما أفسدت الماشية بالنهار من مال الغير فلا ضمان على أهلها وما أفسدت بالليل ضمنه مالكها.قال الإمام الخطابي "لأن في العرف أن أصحاب الحوائط والبساتين يحفظونها بالنهار ويوكلون بها الحفاظ والنواطير .ومن عادة أصحاب المواشي أن يسرحوها بالنهار ويردونها مع الليل إلى المراح فمن خالف هذه القاعدة كان به خارجا عن رسوم الحفظ إلى حدود التقصير والتضييع؛فكان كمن ألقى متاعه في طريق شارع أو تركه في موضع حرز ،فلا يكون على آخذه قطع"
مستثنيات القاعدة
مما يخرج عن هذه القاعدة ويستثنى ما يلي:
- الممتنع عادة كالممتنع حقيقة: أي أن ما يستحيل عادة لا تسمح في الدعوة كالمستحيل عقلا.
وذلك كما إذا ادعى شخص أن الجنين الذي في بطن هذه المرأة قد باعني المال الفلاني أو أقر بأن ذلك الجنين قد استقرض منه مبلغا قدره كذا.
فادعاؤه وإقراره غير صحيحين، لأنه أسندهما إلى سبب متحيل عادة.
وكذا إذا ادعى بنوة شخص أكبر منه سنا.
- لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان:
أي أن الأحكام المبنية على الأعراف والعادات، تتغير بتغير الأزمان، لإختلاف ظروفهم، أما الأحكام المبنية على النص فلا تتغير.
فألفاظ الواقفين، تفسر حسب عرفهمن وما استحدث من تزكية الشهود جائز بعد أن لم يكن ذلك في الأيام الأولى لصالح الناس وورعهم.
- إنما تعتبر العادة إذا اطردت أو غلبت:
وهذه القاعدة تعني أن العبرة بالعادات المطردة أو الغلبة، لا العادات المنقطعة، فإذا كان التعاقد قد جرى على تجهيز بدلات، وكانت عادة الناس المطردة أو الغالبة تجرى بلبس هيأة معينة انصرف العقد إليها دون غيرها، فإن لم تكن مطردة، فلا ينصرف العقد إلى نوع ما، ما لم يبين ذلك للجهالة المضلة بالعقد .
قال السيوطي:
" إنما تعتبر العادة إن اطردت، فإن اضطربت وإن تعارضت الظنون في اعتبارها فخلاف، وفي ذلك فروع:
1) منها باع ـ شخص ـ شيئا وأطلق، نزل على العقد الغالبن فلو اضطربت العادة في البلد وجب البيان وإلا يبطل البيع.
2) ومنها غلبت المعاملة بجنس من العروض أو نوع منه انصرف الثمن إليه عند الاطلاق في الأصح.
3) ومنها: استأجر للخياطة والنسيج.. فالخيط والحبر على من؟ في ذلك خلاف.
4) ومنها: البطالة في المدارس: سئل عنها ابن الصلاح فقالك " ليس فيها عرف مستمر" .
قال الزركشي: " ويستثنى من هذه القاعدة صور:
1) منها ما لو بارز كافر مسلما وشرط الأمان: فلا يجوز للمسلمين إعانة المسلم وإن لم يشترط ذلك.
ولكن اطرد عادة المبارزة بالأمان، ففي كونه كالمشروط وجهان، والذي أورده الروياني في جمع الجوامع أنه كالمشروط.
2) ومنها أمر السلطان ذي السطوة ـ وعادته أن يسطو بمن يخافه، يقوم مقام التوعد نطقا، ونازل منزلة الإكراه في الأصح المنصوص كما قاله القاضي الحسيني في وجوب القصاص على مأموره إذا علم أنه مبطل .
وأيضا العادة محكمة إذا لم تتعارض مع نصوص الشرع كما إذا كانت من عادة الناس ترك الصلاة في الولائم وشرب الخمر في المحافل...
القواعد المندرجة تحت قاعدة: العادة محكمة
يدخل تحت هذه القاعدة قواعد فرعية كثيرة منها :
القاعدة الأولى : المعروف عرفا كالمشروط شرطا
معناها : أن ما جرى به العرف يراعى دون حاجة لإشتراطه في عقود الناس و تصرفاتهم، فالنوم في الفنادق و الغسل في الحمامات،والأكل في المطاعم،كل ذلك يستلزم دفع الأجرة،لأن العرف يقضي بذلك، وإن لم تذكر من قبل أطراف العقد
القاعدة الثانية : التعيين بالعرف كالتعيين بالنص.
معناها : إن ما يقضي بتعيينه العرف يكون كالمعين بالنص الصريح، كالتوكيل في البيع المطلق، فإنه يحمل على البيع بثمن المثل، وكذلك الودائع فإن العرف يقضي بأن يحفضها الوادع في حرز مثلها المعتاد، وإن لم يشترط ذلك المودع.
القاعدة الثالثة: المعروف بين التجار كالمشروط بينهم .
معناها: : أن ما جرى به العرف بين التجار في المعاملة التجارية يعتبر كالمشروط بينهم، ولو لم ينص عليه في تصرفاتهم، فمثلا لو اشترى المشتري شيئا من السوق دون تصريح بمثله حالا أو مؤجلا وكان المتعارف عليه بين التجار أن البائع يأخذ الثمن بعد مدة معينة كأسبوع انصرف الثمن إلى هذا المتعارف عليه دون حاجة إلى ذكره صراحة.
باللإضافة إلى هذه القواعد المتفرعة عن قاعدة : العادة محكمة، هناك فروع أخرى لها، منها :
- العادة تحكم فيما لاضابط له شرعا.
- العادة الغالبة تقيد لفظ المطلق.
- العرف أصل يرجع إليه في التخاصم.
- العرف العام يصاح مخصصا للأثر.
- العرف العام يتبث به الحكم العام.
- الإذن العرفي كالإذن اللفظي.
- الإذن العرفي يقوم مقام الإذن الحقيقي.
- الحقيقة تترك بدلالة العادة..
- الممتنع عادة كالممتنع حقيقة.
قائمة المصادر والمراجع
- القرآن الكريم
- صحيح البخاري
- القواعد الفقهية بين الأصالة والتجديد للدكتور محمد بكر اسماعيل دار المنار
- لسان العرب لابن منظور محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري الناشر : دار صادر - بيروت
الطبعة الأولى
- المصباح المنير للفيومي المصدر موقع الإسلام http://www.al-islam.com
- المعجم الوسيط المؤلف / إبراهيم مصطفى ـ أحمد الزيات ـ حامد عبد القادر ـ محمد النجار
دار النشر : دار الدعوة تحقيق / مجمع اللغة العربية
- التعريفات للجرجاني: دار الكتاب العربي – بيروت الطبعة الأولى ، 1405
- المنهاج في علم القواعد الفقهية للدكتور رياض بن منصور الخليفي، المصدر الشاملة الإصدار الثالث
- تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام لإبن فرحون مصدر الكتاب : موقع الإسلام
http://www.al-islam.com
- درر الحكام شرح مجلة الاحكام لعلي حيدر حقيق تعريب: المحامي فهمي الحسيني الناشر دار الكتب العلمية مكان النشر لبنان / بيروت
- مقاييس اللغة لإبن فارس لمحقق : عبد السَّلام محمد هَارُون الناشر : اتحاد الكتاب العرب الطبعة : 1423 هـ = 2002م. مصدر الكتاب : http://www.awu-dam.org
- شرح منظومة القواعد الفقهية للسعدي لخالد بن إبراهيم الصقعبي ، المصدر المكتبة الشاملة الإصدار الثالث
- الجامع لأحكام القرآن للقرطبي المحقق : هشام سمير البخاري الناشر : دار عالم الكتب، الرياض،
- شرح القواعد الفقهية للزرقا المصدر المكتبة الشاملة الإصدار الثلث
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
وبعد:
تعتبر قاعد العادة محكمة من القواعد المهمة في الفقه الإسلامي إلى جانب القواعد الفقهية الكبرى الأخرى )الأمور بمقاصدها – اليقين لا يزول بالشك – المشقة تجلب التيسير – الضرر يزال ) وتظهر أهمية هذه القاعدة جليا في رجوع الفقهاء إليها في الكثير من الأمور المتعلقة بمجال القضاء والفتوى مع التفاوت بين المذاهب في مقدار الأخذ بها .
فما معنى هذه القاعدة؟
وما مستندها الشرعي ؟
وما هي تطبيقاتها ومستثنياتها ؟
وما هي القواعد الصغرى المتفرعة عنها ؟
معنى القاعدة
تتكون هذه القاعدة من ركنين أساسيين :
الركن الأول : العادة
الركن الثاني : محكمة بمعنى تحكيمها وإعمالها في الأحكام
وسنحاول تعريف كل ركن على حدة من الناحية اللغوية والإصطلاحية
تعريف العادة في اللغة :
- العادة: هي الديدن وهو الدأب والإستمرار على الشيء وسميت بذلك لأن صاحبها يعاودها ويرجع إليها مرة بعد أخرى كما قال الله عز وجل { رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ } , وقال سبحانه وتعالى {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } .
- وقيل العادة هي كل ما اعتيد حتى صار يفعل من غير جهد
وقال الجرجاني : العادة ما استمر الناس عليه على حكم المعقول وعادوا إليه مرة بعد أخرى
يفهم من هذه التعاريف اللغوية أن لفظة العادة تعني تكرر الشيء ومعاودته.
أما من الناحية الإصطلاحية : فهي ما اشتهر بين الناس وتعارفوا عليه ، ولم يخالف شرعا أو شرطا
وقال ابن فرحون رحمه الله : العادة هي غلبة معنى من المعاني على جميع البلاد أو بعضها.
- ومعنى محكّمة :فهي من التحكيم : وهو جعل الشيء حكما
وجاء في شرح المجلة لعلي حيدر أن معنى محكمة أي هي المرجع عند النزاع لأنها دليل يبنى عليه الحكم.
العلاقة بين العادة والعرف
انطلا قا من التعريف الإصطلاحي للعادة يتبين لنا أنها قد تكون مرادفة للعرف.
فالعرف في اللغة: قريب من معنى العادة،قال صاحب معجم مقاييس اللغة أحمد بن فارس:
"عَرَفَ" العين والراء والفاء أصلان صحيحان يدلُّ أحدُهما على تتابُع الشيء متَّصلاً بعضُه ببعض، والآخر على السكون والطُّمَأنينة.
وأما في الإصطلاح فالعرف يراد به: ما اطمأنت إليه النفوس وتتابعت عليه
وعرفه الفقهاء بقولهم: ما استقر في النفوس واستحسنته العقول وتلقته الطباع السليمة بالقبول واستمر الناس عليه مما لا ترده الشريعة وأقرتهم عليه .
قال الإمام القرطبي : العرف والمعروف والعارفة : كل خصلة حسنة ترتضيها العقول وتطمئن اليها النفوس
وذهب بعض الفقهاء إلى أنه لا فرق بين العادة والعرف , فهما لفظان مترادفان , في حين ذهب آخرون إلى أن العادة أعم من العرف لأنها تكون من الفرد ومن الجماعة ,فهي تشمل العادة الفردية والعادة الجماعية أما العرف فلا يكون إلا من جميع الناس أو أغلبهم.
وعليه يمكن القول بأن:
-كل عرفٍ عادة وليست كل عادةٍ عرفاً.
- العادة (عادة جماعية أو فردية )كل ما اعتاده شخصٌ بعينه كطريقة لبسه, طريقة مشيته, طريقة أكله, طريقة حديثه وهكذا.
- أما العرف فهو ما تعارف عليه أهل البلد واعتادوه.
- العرف والعادة هما بمعنى واحد إذا ما تحدث عنهما الفقهاء وبنوا الأحكام عليهما
شروط العرف :
وضع العلماء للعرف شروطا لا بد له منها حتى نعمل به، وقد حددوها في أربعة شروط:
أولها: أن يكون العرف مطردًا غالبًا بحيث لا يكون مضطربًا؛ لأنه إذا كان مضطربًا غير غالب، فلا يقال له عرف، وهذا ما يعبرون عنه بقولهم: العبرة للغالب الشائع دون النادر.
ثانيا: أن يكون العرف غير مخالف للشريعة، فالمخالف للشريعة لا عبرة به، ومقال ذلك: ما لو كان في العرف بناء البيوت على شكل مفتوح، بحيث لا يستتر النساء في البيوت، فإن هذا العرف مخالف للشريعة، ومن، ثم لا يلتف إليه، ولا تقيد به العقود.
ثالثا: أن يكون العرف سابقا غير لاحق، ومن هنا فإننا نعمل بالعرف السابق المقارب دون العرف اللاحق، ومثال ذلك: لو اشترى إنسان من غيره بستين ريالًا قبل مائة سنة، فإننا لا نحكم على ذلك بالريالات الموجودة بيننا الآن بل بما يسمى ريالًا في ذلك الزمان، كان الريالات في ذلك الزمان من فضة، والآن من ورق فيعمل بحكم العرف السابق.
رابعا: ألا يوجد تصريح يخالف العرف، فإذا وجد تصريح يخالف العرف فالعبرة بالتصريح لا بالعرف، ومن أمثلة ذلك: أنه إذا وضع الطعام أمام الإنسان، فإنه في العرف يجوز الأكل من ذلك الطعام؛ لأن هذا يعتبر إذنًا في العرف، ولكن لو وضع الطعام، ثم قيل لا تأكل من هذا الطعام، فهنا وجدت في مقابلة العرف قرينة تدل على أن ما تعارف عليه الناس ليس مرادًا.
أقسام العرف
العرف والعادة يكونان على وجهين: الأول يقسم إلى ثلاثة أقسام:
1 - العرف العام : هو عرف هيئة غير مخصوص بطبقة من طبقاتها وواضعه غير متعين والعرف العام عندنا هو العرف الجاري منذ عهد الصحابة حتى زماننا والذي قبله المجتهدون وعملوا به ولو كان مخالفا للقياس . مثال ذلك : إذا حلف شخص قائلا والله لا أضع قدمي في دار فلان يحنث سواء دخل تلك الدار ماشيا أو راكبا أما لو وضع قدمه في الدار دون أن يدخلها لا يحنث لأن وضع القدم في العرف العام بمعنى الدخول .
2 - العرف الخاص: هو اصطلاح طائفة مخصوصة على شيء كإستعمال علماء النحو لفظة الرفع وعلماء الأدب كلمة النقد .
3 - العرف الشرعي هو عبارة عن الإصطلاحات الشرعية كالصلاة والزكاة والحج فبإستعمالها في المعنى الشرعي أهمل معناها اللغوي.
والوجه الثاني يقسم أيضا إلى قسمين :
عرف عملي وعرف قولي:
1- العرف العملي : كتعود أهل بلد مثلا أكل لحم الضأن أو خبز القمح فلو وكل شخص من تلك البلدة آخر بأن يشتري له خبزا أو لحما فليس للوكيل أن يشتري للموكل لحم جمل أو خبز ذرة أو شعير استنادا على هذا الإطلاق وهذا العرف عند الحنفية يسمى عرفا عاما مخصصا أي عرف مقيد . 2- العرف القولي : وهو اصطلاح جماعة على لفظ يستعملونه في معنى مخصوص حتى يتبادر معناه إلى ذهن أحدهم بمجرد سماعه وهذا العرف أيضا يسمى عند الحنفية والشافعية عرفا مخصصا .
ومن جهة مدى إقرار الشارع للعرف وعدم إقراره ينقسم إلى قسمين:
1- عرف صحيح: وهو ما تعارفه الناس وليست فيه مخالفة لنص ولا تفويت مصلحة ولا جلب مفسدة، كتعارفهم وقف بعض المنقولات وتعارفهم أن ما يقدمه الخاطب إلى خطيبته من ثياب وحلوى ونحوهايعتبر هدية وليس من المهر.
2- عرف فاسد: وهوما تعارفه الناس مما يخالف الشرع أو يجلب ضررا أو يفوت نفعا كتعارفهم بعض العقود الربوية أو بعض العادات المستنكرة في المآتم والموالد وكثير من احتفالاتهم.
المعنى الاجمالي للقاعدة
معنى القاعدة أن العادة سواء كانت عامة أو خاصة تجعل حكماً لإثبات حكم شرعي.
والعرف والعادة إنما تجعل حكما لإثبات الحكم الشرعي إذا لم يرد نص في ذلك الحكم المراد إثباته فإذا ورد النص عمل بموجبه ولا يجوز ترك النص والعمل بالعادة لأنه ليس للعباد حق تغيير النصوص والنص أقوى من العرف لأن العرف قد يكون مستندا على باطل... أما نص الشارع فلا يجوز مطلقا أن يكون مبنيا على باطل فلذلك لا يترك القوي لأجل العمل بالضعيف
أدلة مشروعية القاعدة:
يدل على مشروعية هذه القاعدة الفقهية أدلة متعددة من الكتاب والسنة، وبيانها على النحو التالي :
أولا:أدلة القاعدة من القرآن الكريم :
1- قوله تعالى): خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)
فقد استدل بها الفقهاء على اعتبار العرف في التشريع لأن لفظ العرف هنا عام وفسره العلماء بعدة تفسيرات منها أنه كل ما أمرك الله به وفُسِّر بأنه كل خصلة حسنة ترتضيها العقول وتطمأن إليها النفوس وفسر بأنه التوحيد وغير ذلك.
2- قوله تعالى:( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا.)
ووجه الإستدلال :أن السبيل معناه لغة الطريق وسبيل المؤمنين طريقهم التي استحسنوها وقد توعد الله بالعقاب والعذاب من اتبع غير سبيلهم فيجب العمل بها.
3- قوله جل شأنه:( وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)
وجه الدلالة:أن الله أوجب النفقة على الوالد بحسب ما تقتضيه العرف لأن كلمة المعروف هنا بمعنى ما يتعارف عليه الناس فنفقة المرأة يرجع إلى العرف.
4- قوله تعالى في كفارة اليمين (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ)
وجه الدلالة:أن الله سبحانه يقرر لنا ضابط تحديد مقدار الإطعام وهو من أوسط ما تطعمون أهليكم وهو عرف الناس
5- وقوله تعالى : ) وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ( وقوله: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)
أرشد الله سبحانه وتعالى الزوجين في عشرتهما ،وأداء حق كل منهما للآخر إلى المعروف المعتاد الذي يرتديه العقل ،ويطمئن إليه القلب ،ولا شك أن ذلك متغير حسب الإختلاف بين المناطق وأحوال الناس
ثانيا :أدلة القاعدة من السنة النبوية
1- روى البخاري في صحيحة من حديث عائشة رضي الله عنها أن هنداً بنت عتبة رضي الله عنها قالت يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم { خذي ما يكفيك وولدكِ بالمعروف } , قال النووي في شرح مسلم عند هذا الحديث, في هذا الحديث فؤائد كثيرة وذكر منها:
اعتماد العرف في الأمور التي ليس فيها تحديد شرعي.
2- وقوله صلى الله عليه وسلم (مارآه المسلمون حسن فهو عند الله حسن )
يضاف إلى هذا ما تعارف عليه الناس في زمن النبي عليه السلام من أموراً تتعلق بشؤون الحياة فلم يحرمها أو ينههم عنها, فدل على جوازها, كما تعارفوا أموراً جاء ما يفيد أن النبي عليه الصلاة والسلام أقرهم عليها أو شاركهم في فعلها, فهذا أيضاً يدل على جوازها.
ومن أظهر الأمثلة على ذلك: عقد السلم, فقد عرفه العرب في الجاهلية وأقرهم عليه الرسول عليه الصلاة والسلام وفيه ما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال قدم النبي عليه الصلاة والسلام المدينة وهم يُسلِفُون الثمر السنة والسنتين فقال { من أسلف في شيء ففي كيلٍ معلوم ووزنٍ معلوم إلى أجلٍ معلوم } .
ثالتا : أدلة القاعدة من الإجــماع :
إتفق الفقهاء على التطبيق العملي لهذه القاعدة وأن العادة يرجع إليها على اعتبارها إحدى القواعد الخمس التي يرجع إليها.
موضوع القاعدة:
يعتبر موضوعاً غضاً طرياً يستجيب لحل كثير من المسائل والحوادث الجديدة, ذلك لأنه يتضمن كثير من المسائل التي تتمتع بسعة ومرونة، إلى جانب كونها محيطة بكثير من الفروع والمسائل, فمن أمعن النظر في هذه القاعدة, ولم ينكر "تغير الأحكام المبنية على الأعراف والمصالح بتغير الزمان" أدرك سعة آفاق الفقه الإسلامي وكفاءته الفاعلة الكاملة لتقديم الحلول الناجحة للمسائل والمشاكل المستحدثة, وصلاحيته لمسايرة ركب الحياة ومناسبته لجميع الأزمنة والأمكنة, وذلك بأن الإسلام دين صالح لكل زمان ومكان لكنه ليس خاضع لكل زمان ومكان.
تطبيقات القاعدة
من تطبيقات هذه القاعدة :
- يجوز إلتقاط الثمار التي يتسارع إليها الفساد من البساتين والرساتيق،على المعتمد ما لم توجد دلالة المنع
- اعتبار الكيل أو الوزن فيما تعورف كيله أو وزنه، مما لا نص فيه من الأمور الربوية،كالزيتون وغيره،وأما ما نص عليه فلا اعتبار للعرف فيه عند الطرفين "
- اعتبار عرف الحالف أو الناظر إذا كان العرف مساويا للفظ أو أخص،فلو حلف لا يأكل رأسا،أو لا يركب ذابة ،أو لا يجلس على بساط لا يحنث برأس عصفور،ولا بركوب إنسان ولا بجلوسه على الأرض؛لأن العرف خص الرأس بما يباع للأكل في الأسواق،والذابة بما يركب عادة،والبساط بالمنسوج المعروف الذي يفرش ويجلس عليه
- أقل الحيض والنفاس والطهر،وغالبها وأكثرها حسب العرف وعادة النساء
- يجوز استعمال الذهب أو الفضة في الضبة إذا كانت قليلة،وتحريم الكثرة والضابط في القلة والكثرة العادة والعرف
- الأفعال المنافية للصلاة إذا كانت قليلة فلا تؤثر،وإن كانت كثيرة فتبطلها والعبرة في ذلك العادة والعرف
- يعفى عن النجاسات القليلة دون الكثيرة،والعبرة في ذلك العرف والعادة"
- "يجوز البناء في الصلاة في الجمع لفاصل قليل ويمنع الكثير وكذا في الخطبة والجمعة والعبرة في ذلك العرف والعادة
- لا يؤثر الفاصل القليل بين الإيجاب والقبول،ويؤثر الكثير،والعبرة للعادة
- لا قطع في السرقة إلا إذا أخذ المال من الحرز،والعبرة في حرز المال العرف والعادة
- العبرة في الأموال الربوية بالوزن أو الكيل فيما جهل حاله في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يراعى فيه بلد البيع في الأصح
- لا يجوز صوم يوم الشك إلا لمن كانت له عادة في صوم مثله وذلك بحسب العادة
- يحرم قبول القاضي للهدية إلا لمن له عادة في إهدائه"
-" إذا اختلف الراهن والمرتهن في قدر الحق،فالقول قول المرتهن إلى قيمة الرهن عند المالكية،وقال أبو حنيفة والشافعي:القول قول الراهن من كل وجه واستند المالكية إلى قاعدة العرف والعادة،بأن العرف يرجع إليه في التخاصم إذا لم يكن هناك ما هو أولى منه والعرف جار بأن الناس لا يرهنون إلا ما يساوي ديونهم أو يقاربها، فمن ادعى خلاف ذلك فقد خرج عن العرف
- إذا اختلف الواهب والموهوب له في الهبة هل هي للثواب أم لا؟فادعى الواهب أنها للثواب وادعى الموهوب له أنها ليست للثواب فيرجع للفصل بينهما إلى العرف الجاري عندهم
- اختلاف الزوجين في قبض المهر أو عدم قبضه،فيحسم هذا لخلاف بالرجوع إلى العرف الجاري في بلدهما في هذه المسالة فان كان العرف جاريا بأن الزوج ينقد الصداق قبل الدخول ثم اختلفا في قبضه بعد الدخول فالقول للزوج احتكاما للعرف"
- "الأجرة في دخول الحمام حسب العادة
- العادة في ركوب سفينة الملاح أنها بأجرة وكذا العادة في أجرة الذابة
- يلزم حفظ الوديعة فيما تحفظ فيه عادة"
- الإستصناع أجازه جمهور الفقهاء لأنه تعارفه الناس وجرى عليه التعامل فجاز استحسانا مبنيا على العرف
- بيع الوفاء أجازه المتأخرون من الحنفية من باب الاستحسان اعتبارا للعرف ولحاجة الناس إليه فرارا من الربا ومنعه الجمهور
- هدايا الخطبة التي يقدمها الرجل لخطيبته من الهدايا العينية وغير العينية المستهلكة وغير المستهلكة ثم يقع العدول عن الخطبة لسبب ما فقال بعض الفقهاء في أحكام الهدايا بالرجوع إلى العرف والعادة فإن كان العدول من الرجل فيمنع من استرداد ما أهداه إليها وإن كان العدول منها فله حق استرداد ما قدمه إليها إن كان قائما بعينه فان كان مستهلكا استرد مثله أو قيمته ويرجع ذلك إلى العرف ويتبع عادة الناس ما لم يكن هناك شرط
- جواز وقف المنقول مستقلا عن العقار إن جرى العرف بوقفه"
- إن جواب السؤال يجري على حسب ما تعارف كل قوم في مكانهم،كما أن السؤال والجواب يمضي على ما عم وغلب لا على ما شذ ونذر
- ذهب الفقهاء إلى أن ما أفسدت الماشية بالنهار من مال الغير فلا ضمان على أهلها وما أفسدت بالليل ضمنه مالكها.قال الإمام الخطابي "لأن في العرف أن أصحاب الحوائط والبساتين يحفظونها بالنهار ويوكلون بها الحفاظ والنواطير .ومن عادة أصحاب المواشي أن يسرحوها بالنهار ويردونها مع الليل إلى المراح فمن خالف هذه القاعدة كان به خارجا عن رسوم الحفظ إلى حدود التقصير والتضييع؛فكان كمن ألقى متاعه في طريق شارع أو تركه في موضع حرز ،فلا يكون على آخذه قطع"
مستثنيات القاعدة
مما يخرج عن هذه القاعدة ويستثنى ما يلي:
- الممتنع عادة كالممتنع حقيقة: أي أن ما يستحيل عادة لا تسمح في الدعوة كالمستحيل عقلا.
وذلك كما إذا ادعى شخص أن الجنين الذي في بطن هذه المرأة قد باعني المال الفلاني أو أقر بأن ذلك الجنين قد استقرض منه مبلغا قدره كذا.
فادعاؤه وإقراره غير صحيحين، لأنه أسندهما إلى سبب متحيل عادة.
وكذا إذا ادعى بنوة شخص أكبر منه سنا.
- لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان:
أي أن الأحكام المبنية على الأعراف والعادات، تتغير بتغير الأزمان، لإختلاف ظروفهم، أما الأحكام المبنية على النص فلا تتغير.
فألفاظ الواقفين، تفسر حسب عرفهمن وما استحدث من تزكية الشهود جائز بعد أن لم يكن ذلك في الأيام الأولى لصالح الناس وورعهم.
- إنما تعتبر العادة إذا اطردت أو غلبت:
وهذه القاعدة تعني أن العبرة بالعادات المطردة أو الغلبة، لا العادات المنقطعة، فإذا كان التعاقد قد جرى على تجهيز بدلات، وكانت عادة الناس المطردة أو الغالبة تجرى بلبس هيأة معينة انصرف العقد إليها دون غيرها، فإن لم تكن مطردة، فلا ينصرف العقد إلى نوع ما، ما لم يبين ذلك للجهالة المضلة بالعقد .
قال السيوطي:
" إنما تعتبر العادة إن اطردت، فإن اضطربت وإن تعارضت الظنون في اعتبارها فخلاف، وفي ذلك فروع:
1) منها باع ـ شخص ـ شيئا وأطلق، نزل على العقد الغالبن فلو اضطربت العادة في البلد وجب البيان وإلا يبطل البيع.
2) ومنها غلبت المعاملة بجنس من العروض أو نوع منه انصرف الثمن إليه عند الاطلاق في الأصح.
3) ومنها: استأجر للخياطة والنسيج.. فالخيط والحبر على من؟ في ذلك خلاف.
4) ومنها: البطالة في المدارس: سئل عنها ابن الصلاح فقالك " ليس فيها عرف مستمر" .
قال الزركشي: " ويستثنى من هذه القاعدة صور:
1) منها ما لو بارز كافر مسلما وشرط الأمان: فلا يجوز للمسلمين إعانة المسلم وإن لم يشترط ذلك.
ولكن اطرد عادة المبارزة بالأمان، ففي كونه كالمشروط وجهان، والذي أورده الروياني في جمع الجوامع أنه كالمشروط.
2) ومنها أمر السلطان ذي السطوة ـ وعادته أن يسطو بمن يخافه، يقوم مقام التوعد نطقا، ونازل منزلة الإكراه في الأصح المنصوص كما قاله القاضي الحسيني في وجوب القصاص على مأموره إذا علم أنه مبطل .
وأيضا العادة محكمة إذا لم تتعارض مع نصوص الشرع كما إذا كانت من عادة الناس ترك الصلاة في الولائم وشرب الخمر في المحافل...
القواعد المندرجة تحت قاعدة: العادة محكمة
يدخل تحت هذه القاعدة قواعد فرعية كثيرة منها :
القاعدة الأولى : المعروف عرفا كالمشروط شرطا
معناها : أن ما جرى به العرف يراعى دون حاجة لإشتراطه في عقود الناس و تصرفاتهم، فالنوم في الفنادق و الغسل في الحمامات،والأكل في المطاعم،كل ذلك يستلزم دفع الأجرة،لأن العرف يقضي بذلك، وإن لم تذكر من قبل أطراف العقد
القاعدة الثانية : التعيين بالعرف كالتعيين بالنص.
معناها : إن ما يقضي بتعيينه العرف يكون كالمعين بالنص الصريح، كالتوكيل في البيع المطلق، فإنه يحمل على البيع بثمن المثل، وكذلك الودائع فإن العرف يقضي بأن يحفضها الوادع في حرز مثلها المعتاد، وإن لم يشترط ذلك المودع.
القاعدة الثالثة: المعروف بين التجار كالمشروط بينهم .
معناها: : أن ما جرى به العرف بين التجار في المعاملة التجارية يعتبر كالمشروط بينهم، ولو لم ينص عليه في تصرفاتهم، فمثلا لو اشترى المشتري شيئا من السوق دون تصريح بمثله حالا أو مؤجلا وكان المتعارف عليه بين التجار أن البائع يأخذ الثمن بعد مدة معينة كأسبوع انصرف الثمن إلى هذا المتعارف عليه دون حاجة إلى ذكره صراحة.
باللإضافة إلى هذه القواعد المتفرعة عن قاعدة : العادة محكمة، هناك فروع أخرى لها، منها :
- العادة تحكم فيما لاضابط له شرعا.
- العادة الغالبة تقيد لفظ المطلق.
- العرف أصل يرجع إليه في التخاصم.
- العرف العام يصاح مخصصا للأثر.
- العرف العام يتبث به الحكم العام.
- الإذن العرفي كالإذن اللفظي.
- الإذن العرفي يقوم مقام الإذن الحقيقي.
- الحقيقة تترك بدلالة العادة..
- الممتنع عادة كالممتنع حقيقة.
قائمة المصادر والمراجع
- القرآن الكريم
- صحيح البخاري
- القواعد الفقهية بين الأصالة والتجديد للدكتور محمد بكر اسماعيل دار المنار
- لسان العرب لابن منظور محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري الناشر : دار صادر - بيروت
الطبعة الأولى
- المصباح المنير للفيومي المصدر موقع الإسلام http://www.al-islam.com
- المعجم الوسيط المؤلف / إبراهيم مصطفى ـ أحمد الزيات ـ حامد عبد القادر ـ محمد النجار
دار النشر : دار الدعوة تحقيق / مجمع اللغة العربية
- التعريفات للجرجاني: دار الكتاب العربي – بيروت الطبعة الأولى ، 1405
- المنهاج في علم القواعد الفقهية للدكتور رياض بن منصور الخليفي، المصدر الشاملة الإصدار الثالث
- تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام لإبن فرحون مصدر الكتاب : موقع الإسلام
http://www.al-islam.com
- درر الحكام شرح مجلة الاحكام لعلي حيدر حقيق تعريب: المحامي فهمي الحسيني الناشر دار الكتب العلمية مكان النشر لبنان / بيروت
- مقاييس اللغة لإبن فارس لمحقق : عبد السَّلام محمد هَارُون الناشر : اتحاد الكتاب العرب الطبعة : 1423 هـ = 2002م. مصدر الكتاب : http://www.awu-dam.org
- شرح منظومة القواعد الفقهية للسعدي لخالد بن إبراهيم الصقعبي ، المصدر المكتبة الشاملة الإصدار الثالث
- الجامع لأحكام القرآن للقرطبي المحقق : هشام سمير البخاري الناشر : دار عالم الكتب، الرياض،
- شرح القواعد الفقهية للزرقا المصدر المكتبة الشاملة الإصدار الثلث
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)