السبت، 26 مارس 2011

مفهوم التسامح في الاسلام

التسامح من المعاني العظيمة التي جاء بها الإسلام كالوسيطة والتيسير والعدل والعفو والصفح وغير ذلك، لها ضابطها الشرعي الذي إن حادث عنه كانت عقبة كئودا في فهم طبيعة الإسلام.
والتسامح في الإسلام لا يعني الضعف، فالإسلام يأبى الضيم ويرفض لأتباعه الذل والهوان ومن يظنون التسامح والصفح والحلم والعفو ضعفا لا يدركون عظمة هذا الدين.
وإذا كان القرآن الكريم دعا دائما إلى التسامح فإنه حث المسلمين أيضا على الدفاع عن حقوقهم، قال تعالى: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم(1)، كما اعتبر الإسلام أن من يموت دفاعا عن عرضه وأرضه شهيدا.
وحقيقة الأمر أن التسامح يجب أن يكون مع من يتسامح، والمسلمون دائما هم متسامحون لأنهم وسعوا الآخرين بصدورهم، وحسن معاملتهم. إلا أن هذا التسامح يجب أن يكون في حدود ما رخص لنا الله تعالى فيه.
فالإسلام عندما يدعو إلى التسامح، فهو يدعو إلى التسامح في المعاملات كالبر والعدل والإحسان إلى المخالفين كما قال الله تعالى: لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهـم وتقسطوا إليهـم إن الله يحب المقسطين(2) ويدعـو إلى حريـة العقيدة فمن شاء فليؤمن ومـن شـاء فليكفـر(3) لا إكراه في الدين(4) ...، أي أن يكون هذا التسامح في حدود الشرع، على عكس ما يدعو إليه دعاة التسامح اليوم. فنحن حينما نستقرئ الواقع المعاش لهؤلاء نجدهم يدعون إلى التسامح المطلق الذي لا تقيده قيود ولا تحده حدود، ووقتها تكون دعوتهم متوجهة إلى تسامح التحدي والانتهاكات لحرمات الله تعالى. فهم يريدون التسامح حتى في الحدود التي شرعها الله تعالى، فالزاني لا يجلد ولا يرجم، والسارق لا يقطع، وشارب الخمر لا يضرب، بل بالغوا في ذلك ودعوا إلى التخلي عن إقامة أركان الإسلام، فلا صلاة تقام، ولا زكاة تدفع، ولا الصيام يحترم، ولا الحج يباشر بحق. "ولا أدري ما الذي يقلق المسيحي، أو اليهودي من قطع يد السارق، مسلما كان أو غير مسلم، ومن جلد القاذف أو الزاني أو السكير، ومن غير ذلك من الأحكام والحدود؟"(1)
والغريب في الأمر هو أنهم يفعلون كل ذلك باسم التسامح الديني ونسى أعداء الله بأن التسامح الديني في الإسلام محكوم بقوانين تضبطه، وتنظم مجالاته بدقة. فهو في المجال العقائدي ممنوع منعا كليا، لذلك لا يجوز للمسلم أن يتسامح مع غيره أو يفتح قلبه لغير الإسلام باسم التسامح الديني، لأن من فتح قلبه لشيء دان له وابتغاه دينيا، والقانون الصادر عن الله تعالى في هذا الأمر صريح وقاطع لا يحتمـل أي تأويـل، قـال تعالى: إن الدين عند الله الإسلام(2). وقال أيضا: ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين(3). قال الزحيلي في تفسيره لهذه الآية أي: «من طلب غير الإسلام دينا فلن يقبل منه قطعا وهو من الذين وقعوا في الخسران مطلقا، لأنه سلك طريقا سوى ما شرعه الله تعالى، وأضاع ما جبلت عليه الفطرة السليمة من توحيد الله والانقياد لأوامره»(4) كما قال تعالى: قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم، ألا ذلك هو الخسران المبين(5) وقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد و مسلم عن عائشـة رضي الله عنها: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد»(6).
وعلى هذا يكون واجبا على كل مسلم ألا يتسامح في حدود الله التي أمر بها أن تطبق في الشريعة. فالتسامح في إقامة هذه الحدود محظور، ولو كان بدافع الشفقة والرحمة، فلا شفقة ولا رحمة مع تطبيق حدود الله كما قال تعالى: ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله(1).
وإذا نظرنا إلى هذه الحدود التي شرعها الله سبحانه وتعالى لعباده، سنجد على أن فيها مصلحة لفائدة الخلق لا لفائدة الخالق، لأن الخالق عزيز وهو أدرى بما يصلح به حال خلقه، لذلك شرعت هذه الحدود بحكمته التي لا تخطيء إطلاقا، لأنها حكمة قائمة على أساس المعرفة الشاملة والعلم المحيط بكل شيء.
والإدعاء بأن سيادة النظام الإسلامي في إرغام ليغير المسلمين على ما يخالف دينهم، فهو إدعاء غير صحيح، لأن الإسلام لم يجبر أحدا على ترك أمر يراه في دينه واجبا، ولا على فعل أمر يراه عنده حراما، فالإسلام كما قال الدكتور يوسف القرضاوي(2) عقيدة، وعبادة، وأخلاق، وشريعة، فهو في المجال العقائدي والتعبدي لا يفرضه على أحد، بل لكل شخص حريته في العبادة. كما قال الله تعالى: لا إكراه في الدين(3). وقد فصلنا القول في هذا سابقا، فمنذ عهد الخلفاء الراشدين واليهود والنصارى يؤدون عباداتهم ويقيمون شعائرهم في حرية وأمان. كما هو منصوص عليه في العهود التي كتبت في عهد أبي بكر وعمر  كما أن الإسلام لم يفرض على غير المسلمين الزكاة والجهاد باعتبارهما من العبادات الكبرى، وكلفهم مقابل ذلك ضريبة أعفي منها النساء والأطفال والفقراء والعاجزين وهي التي تسمى بالجزية.
وإذا أردنا الحديث عن الأخلاق، فسنجد أن كل الديانات السماوية تدعو إلى العدل والرحمة والإحسان، وتحرم الظلم والغش والسرقة والزنا وغيرها من الرذائل.
أما فيما يخص الشريعة التي تنظم علاقات الناس فيما بينهم، كعلاقة الفرد بأمته، وعلاقته بالمجتمع، وعلاقته بالدولة، وعلاقة الدولة بالرعية وبالدول الأخرى، فهم في هذه العلاقات مخيرون بين الاحتكام إلى دينهم والاحتكام إلى شرع الإسلام.
وفي العقوبات قرر الفقهاء أن الحدود لا تقام عليهم إلا فيما يعتقدون تحريمه كالسرقة والزنا، لا فيما يعتقدون حله كشرب الخمر وأكل لحم الخنزير(1)، بل أكثر من هذا نجد الإسلام منح لغير المسلمين في المجتمع الإسلامي محاكم خاصة يحتكمون إليها كما سجل ذلك التاريخ.
وفي هذا يقول المؤرخ الغربي (أدم متز) في كتابه "الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري": «كما كان الشرع الإسلامي خاصا بالمسلمين فقد خلت الدولة الإسلامية بين أهل الملل الأخرى وبين محاكمهم الخاصة. والذي نعلمه من أمر هذه المحاكم أنها كانت محاكم كنسية، وكان رؤساء المحاكم الروحيون يقومون فيها مقام كبار القضاة أيضا، وقد كتبوا كثيرا من كتب القانون، ولم تقتصر أحكامهم على مسائل الزواج، بل كانت تشمل إلى جانب ذلك مسائل الميراث وأكثر المنازعات التي تخص المسيحيين وحدهم مما لا شأن للدولة به ... ثم يضيف أما في الأندلس، فعندنا أكثر من مصدر جدير بالثقة أن النصارى كانوا يفصلون في خصوماتهم بأنفسهم، وأنهم لم يكونوا يلجؤون إلى القاضي «المسلم» إلا في مسائل القتل»(2).

هناك تعليق واحد: