التسامح عند الغرب.
ظهرت فكرة التسامح عند الغرب في القرون الوسطى أو ما يسمى بعصر النهضة والإصلاح في فترة تميزت بسلطة مطلقة للكنيسة على الحياة والدولة والمجتمع والفرد، ثم تركزت الفكرة كقيمة أخلاقية ذات دلالات سياسية ومجتمعية في القرن 18م، أو ما يعرف بعصر التنوير. وممن ساهم في إبراز هذه الفكرة من المفكرين في تلك الحقبة من الزمن، نذكر: جاكوب أكونتيوس Acontius (ت 1556م) وجان بودان Boudin (ت 1596م) وجون لوك John locke صاحب الرسالة الشهيرة المعروفة بعنوان "رسالة عن التسامح" وفولتير Voltaire وغيرهم من المفكرين.
وقد شهدت فكرة التسامح عند الغرب تطورا في مدلولاتها عبر السنين مواكبة لتطور الفكر الغربي نفسه عن العالم والحياة. فخرجت بذلك من طور المحلية أي التسامح بين أفراد الشعب إلى طور العالمية أي التسامح بين البشر كافة.
إلا أن هذا التطور والتقدم في المعنى والدلالة يبقى مجرد حبر على ورق، فما نشاهده اليوم على أرض الواقع، بعيد كل البعد عما نظَّر له المفكرون الغربيون للتسامح، بحيث تقول النظرية أن التسامح «ينجلي في الاستعداد لتقبل وجهات النظر المختلفة فيما يتعلق باختلافات السلوك والرأي دون الموافقة عليها» وتقول «باحترام وتقدير وقبول التنوع الثري لثقافات عالمنا، ومختلف أنماطها التعبيرية، وطرق تحقيق كيونتنـا الإنسانية»(1)، مما يعني أن نظرية التسامح تقر بوجود الاختلاف بين البشر في ثقافاتهم وحضاراتهم، وتقبل التنوع بين أنماط العيش المختلفة والسلوكيات المتباينة بين البشر. إلا أن الممارسة العملية تهدم هذا التصور بكل مدلولاته ومعانيه وأسسه التي قام عليها. فالدعوة إلى الاندماج في المجتمع الغربي التي تفيد الذوبان في ثقافة المجتمع وحضارته، والتي تفيد تخلي المسلم عن هويته وعقيدته، وثقافته، وحضارته وقيمه، على النقيض تماما من نظرية التسامح التي نظر لها الغرب بمفكريه ومؤسساته المحلية والعالمية، والحملة المتواصلة على الإسلام في بلاد الغرب أكبر شاهد على هذا التناقض بين الفكر والممارسة.
وما يرى من تشويه لصورة الإسلام في وسائل الإعلام، ومن تصريحات يومية تطعن فيه وفي أصله، لا يدل مطلقا على احترام وتقدير لبقية الثقافات المغايرة لثقافة الغرب.
ومشكلة الحجاب التي أثيرت بقوة في بلاد الغرب خرق فاضح لنظرية تقوم على حرية التدين، وتنص على أن التسامح يعني أن نقبل بأن البشر من طبيعته أن يختلف في المظهر والحالة، والكلام، والسلوك، والقيم(2).
وما تقوم به أمريكا وإنجلترا في العراق، وما يراد بالعالم الإسلامي ككل من حملة على تطبيق الديمقراطية والعلمانية، وتغيير مناهج تعليمه إلا دليلا واضحا على مخالفة نظرية التسامح.
ولكن السؤال الذي يبقى مطروحا هو: هل يمكن للغرب الذي يطمع في ثروات المسلمين أن يكون في يوم من الأيام متسامحا حقا؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق